توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق يعترف اليوم بوجود صلة بين احتلال العراق، وبين ظهور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". اعتراف متأخر جدا، وبعد خراب العراق، فقد تسببت تلك الحرب في تفشي الفوضى، وازدهار الطائفية، وتفجر بحور من الدماء، وتحول البلد إلى نموذج للفشل. ظهور تنظيم داعش تحت يافطة سنية، ونشوء الحشد الشعبي ردا عليه تحت راية شيعية هو حلقة من العنف غير المسبوق الذي يستوطن العراق، وصار عنوانه العريض منذ عام 2003 حيث تم إسقاطه كدولة ومؤسسات وجيش وأجهزة أمن على أيدي الاحتلال الأمريكي البريطاني، وحل محله عراق المحاصصة الطائفية، والإقصاء السياسي، والثارات التاريخية، والانتقام الأسود، وتوحش ميليشيات القتل على الهوية، وبروز أمراء الطائفية والتطهير المذهبي، والفساد بلا حدود، ومازال العراق الدولة الوطنية لجميع العراقيين دون إقصاء، أو تهميش أو طائفية غائبا حتى اليوم. عندما يكون المكون السني العربي الأصيل على قائمة الاستهداف منذ اليوم التالي لسقوط نظام صدام حسين، وعندما تبدأ عمليات قمع وقهر وتنكيل وحشي بحق أبناء تلك الطائفة، وعندما يجدون أنفسهم هدفا للتصفيات والاغتيالات والاعتقالات والتعذيب الوحشي في السجون السرية، والإخفاء القسري، والتهجير والتطهير المذهبي، وكل ألوان الفظائع، عندما يحدث ذلك خارج القانون وبتورط مسؤولين رسميين على رأسهم نوري المالكي رئيس الوزراء السابق وبعلم المحتل الأمريكي - شاهدوا ، الصندوق الأسود، وهو وثائقي ل الجزيرة، بعنوان نوري المالكي، الصورة الكاملة - فماذا يمكن أن يكون رد الفعل؟، بالطبع ياسيد بلير أنت، ورفيقك بوش الابن رئيس أمريكا السابق كان لابد أن يظهر تنظيم القاعدة أولا على أيدي الزرقاوي، وعندما يخفت يحل محله تنظيم آخر هو داعش، هذا طبيعي، فالعنف يولد عنفا، والمذهبية تحرك مذهبية أخرى، والقتل يكون مقابله القتل، وسحق الإنسان يحوله إلى انتحاري بحزام ناسف، أو قائد سيارة مفخخة، وهكذا هو العراق منذ 12 عاما، ولا أمل في نهاية للعنف والإرهاب واستعادة الحياة الطبيعية مالم يصير العراق دولة وطنية مدنية ديمقراطية حقيقية بلا طائفية ومذهبية، ولا رجال دين تكون لهم الكلمة العليا في القرار السياسي، ولا ميليشيات وعصابات قتل، ولا تدخل خارجي وهيمنة كاملة عليه من إيران التي تعتبره جناحا أساسيا في سعيها لاستعادة حلمها الامبراطوري. دور بلير في غزو العراق أفقده تألقه كرئيس للحكومة، وقلص من شعبية حزبه "العمال" رغم أنه قاده للفوز بالبرلمان لثلاث دورات متتالية، وتشكيله ثلاث حكومات، بعد ثبوت توريطه بريطانيا في حرب قامت على أساس مبررات كاذبة، ولهذا طرده حزبه من رئاسة الحكومة والحزب واستبدله بشخص آخر، فلم يكن العراق يمتلك أسلحة كيماوية، أو بيولوجية، ولم يكن يمتلك قدرات نووية، ولم يكن له علاقة بتنظيم القاعدة المتهم من أمريكا بهجمات 11 سبتمبر، وهى الذرائع التي سوقتها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بمساندة بلير لشن العدوان خارج موافقة مجلس الأمن الدولي. لا أدافع عن صدام ونظامه، فقد كان حاكما مستبدا، وتسبب في أخذ العراق إلى التدمير التدريجي عبر حرب خاضها مع إيران، ثم حماقة غزو الكويت، وإجباره على الانسحاب منها بحرب دولية مزقت ما تبقى من جيشه، ثم فرضت الأممالمتحدة حصارا شديد القسوة جعل حياة الشعب بائسة. المؤكد أنه كانت هناك بدائل أخرى أكثر أمانا وحفاظا على العراق للخلاص من صدام غير الحرب بذرائع كاذبة، لو كانت إزاحته آنذاك ستجعل العراق أفضل، وتؤسس لدولة ديمقراطية تكون نموذجا للتغيير في المنطقة كما كان يروج المحافظون الجدد في إدارة بوش الابن. لكن غرور القوة الجمهوري دفع بوش لشن حرب أفغانستان، ثم حرب العراق، فقتل وشرد الملايين، ولم يجلب السلام، أو الاستقرار، أو الأمن، أو العيش الرغيد، أو الحرية والديمقراطية، والبلدان يعيشان للآن أوضاعا مأساوية جعلتهما يعودان عقودا للخلف، ولا نتجاوز عندما نقول إن وضع العراق أيام صدام كان أفضل منه اليوم، وإذا كان صدام مستبدا، فقد جاء بعده عشرات المستبدين الطائفيين ليقودوا العراق إلى الهاوية، ويسلمونه مجانا لإيران بمساعدة الأمريكان. العراق صار تربة مثالية ليظهر تنظيم القاعدة ثم داعش، وسواء كان تنظيما له نهج إسلامي متشدد، أم كان صنيعة مخابراتية إقليمية دولية لأغراض تتعلق بحسابات صانعيه فإن الأهداف من وجوده تتحقق على الأرض اليوم بصعود الإرهاب في المنطقة، وتشويه فكرة الثورة والربيع العربي والتغيير، وتكريس الاستبداد، وتوفير المبرر للتواجد العسكري للقوى الكبرى لإعادة تقسيم المنطقة، إذا صح ما يُقال عن شرق أوسط جديد. محصلة كل هذا العنف والإرهاب والأحقاد الطائفية وملايين الضحايا والمشردين والتدمير والفساد في العراق مسؤول عنه بوش وذيله بلير بحربهما خارج الشرعية الدولية، وعدم وجود خطة حقيقية لليوم التالي بعد إسقاط صادم لبناء عراق حر ديمقراطي مزدهر، بل تركوه للفوضى والنهب وكأنهم تعمدوا ذلك. لا أقل من أن يُحاكم بلير، وبوش الابن، ولو من شعبيهما إذا كانت العدالة الدولية لا تستطيع الوصول إليهما، ويُحاكم معهم كل من شارك في تخريبه من الطبقة السياسية المافيوية المليشياوية التي دخلت العراق على ظهر دبابات المحتل الأمريكي. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.