تنطلق 22 مايو.. جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025 محافظة أسيوط    عمال شركة الشوربجي يواصلون الإضراب عن العمل ويطالبون بزيادة المرتبات    رئيسة "القومي للمرأة" تشارك في مؤتمر "مشروع تعزيز الحوكمة المرتكزة حول المواطن في مصر"    مركز السينما العربية يمنح جائزة الإنجاز النقدي للناقد العراقي عرفان رشيد والقبرصي نينوس ميكيليدس    الجيش الباكستاني: ضربنا 26 هدفا ومنشأة عسكرية بالهند في عمليات يوم 10 مايو    أمينة الفتوى: لا حرج في استخدام «الكُحل والشامبو الخالي من العطر» في الحج.. والحناء مكروهة لكن غير محرّمة    «الاعتماد والرقابة الصحية»: القيادة السياسية تضع تطوير القطاع الصحي في شمال سيناء ضمن أولوياتها    معاريف: نتنياهو طالب في الكنيست بالتوقف عن الاعتماد على المساعدات الأمريكية    قيادي بحماس يكشف عن مفاوضات مباشرة مع أمريكا لوقف إطلاق النار بغزة    طارق حامد يقود ضمك ضد الرائد في الدوري السعودى للمحترفين    محلل اقتصادي: واشنطن تسعى لتحالفات بديلة لمواجهة نفوذ بكين المتصاعد    آلاف يتظاهرون في عدة مدن ألمانية تنديدا باليمين المتطرف وحظر البديل    مانشستر يونايتد يتحرك لضم تاه وسط منافسة أوروبية    الشوط الأول| زد يتقدم على مودرن سبورت بثنائية    بث مباشر.. مدبولي يستقبل 150 شابًا من 80 دولة ضمن النسخة الخامسة من "منحة ناصر"    محمد أنور: مصر أقدم من أمريكا في الجولف.. ونتعاهد على عودة الريادة للفراعنة    بعد الدفع ب 3 سيارات إطفاء.. السيطرة على حريق مخزن الخردة ببلبيس (صور)    العثور على جثة مجهولة مكبلة اليدين داخل سيارة في بني سويف    إصابة طالبة سقطت من الطابق الثالث داخل مدرسة فى بشتيل بالجيزة    إحالة أوراق عامل للمفتي لاتهامه بإنهاء حياة 3 أشخاص بسوهاج    وزير الخارجية والهجرة يلتقي قيادات وأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي    البترول تنفي وجود تسريب غاز بطريق الواحات.. لا خطر في موقع الحادث السابق    ماذا قال طه دسوقي عن تكريمه في مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما؟    آدم البنّا يطرح أغنية "هنعمل إيه" مع مدين وتامر حسين- فيديو    النائب محمد طارق يكشف كواليس إقرار قانون تنظيم الفتوى    جامعة بنها تطلق أول مهرجان لتحالف جامعات القاهرة الكبرى للفنون الشعبية (صور)    الإفتاء توضح كيف يكون قصر الصلاة في الحج    هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب    فى المؤتمر المشترك الأول لكليات ومعاهد الإعلام :الأمية الثقافية تهدد مستقبل الإعلام العربى    محافظ شمال سيناء يستقبل رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    محافظ الغربية: إطلاق أكبر قافلة طبية علاجية بمركز قطور    فرص مفاجئة.. اعرف حظ برج الجوزاء في النصف الثاني من مايو 2025    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات والتعديات بمدينة العاشر من رمضان    محامية: نشوز الزوج يمثل خطرًا كبيرًا على تماسك الأسرة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: إسرائيل تشن ضدنا حرب إبادة إعلامية    تفاصيل ضبط المتهم بالتعدي على الكلاب الضالة في البحيرة    محافظ أسوان يوجه للإسراع بإستكمال المشروعات المدرجة ضمن خطة الرصف بنسبة 98 %    جنى يسري تتألق وتحرز برونزية بطولة العالم للتايكوندو للناشئين تحت 14 سنة    مصدر مقرب من اللاعب ل في الجول: عمر فايد يرغب باستمرار مشواره الاحترافي    الصور الأولى من فيلم هيبتا: المناظرة الأخيرة    استعدادا لختام تصفيات كأس العالم.. منتخب السعودية يلاقي الأردن في ودية سرية    طرح 3 شواطئ بالإسكندرية للإيجار في مزاد علني| التفاصيل والمواعيد    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    فتح باب التسجيل للتدريبات الصيفية بمكاتب المحاماة الدولية والبنوك لطلبة جامعة حلوان    هشام أصلان يرصد تجربة صنع الله إبراهيم ومحطات من مشروعه الأدبي    رئيس ائتلاف ملاك الإيجارات القديمة يرفض مشروع قانون الحكومة    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع سير منظومة العمل بملف التصالح بالمركز التكنولوجي في الواسطى    محافظ الشرقية يشهد حفل قسم لأعضاء جدد بنقابة الأطباء بالزقازيق    الأحوال المدنية تستخرج 32 ألف بطاقة رقم قومي للمواطنين بمحل إقامتهم    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    وزير الخارجية يؤكد على موقف مصر الداعي لضرورة إصلاح مجلس الأمن    تأجيل محاكمة 41 متهم ب "لجان العمليات النوعية بالنزهة" استهدفوا محكمة مصر الجديدة    خبر في الجول - عمر خضر يقترب من الغياب أمام غانا بسبب الإصابة    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    الخارجية الهندية: معاهدة تقاسم مياه نهر السند لا تزال معلقة    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق جديدة تناقض روايته
ما لم يقله بلير فى اعتذاره عن حرب العراق
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 10 - 2015

بوجه خال من تعبيرات الندم وبعبارات مترددة متلعثمة تخرج بصعوبة، قال رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير فى مقابلة تليفزيونية إنه «يعتذر عن أخطاء» وقعت فى غزو العراق،
منها «عدم صواب الأدلة الاستخباراتية» التى استخدمت كمبرر للحرب وعلى رأسها «وجود أسلحة دمار شامل»، و«سوء تخطيط» أمريكا وبريطانيا لمرحلة ما بعد سقوط النظام العراقي، رافضا الاعتذار عن «الحرب نفسها» التى أدت إلى إطاحة صدام حسين. فهل يمكن أن يعتذر بلير دون أن يشعر بالعار من الفعل الذى يعتذر عنه؟ هذا ما فعله.
فالاعتذار «إجرائيا» وليس «أخلاقيا»، وهو مهين للضحايا، ومهين للأحياء أيضا، إذ يحمل بلير العرب ضمنا المسئولية عن الفوضى العارمة والإنهيار الكامل لمجتمعات ودول لأن «الشعوب العربية لم تدخل بعد عصور الحداثة»، وطالما ظلت متأخرة ورجعية، ستنتشر وتزدهر فيها الجماعات الأصولية المتطرفة وتستغل كل منعطف تاريخى وتحوله لمستنقع.
لكن اعتذار بلير «الناقص» و»الجزئي»، والذى جاء خلال مقابلة تليفزيونية مع فريد زكريا فى محطة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية، حمل الكثير أيضا من «المسكوت عنه» والكثير من «المغالطات» التى تكذبها وثائق كشف عنها حديثا.
فمثلا يقول بلير إن أمريكا وبريطانيا لم تقررا غزو العراق إلا بعد فشل كل الخيارات الأخرى وأنه فى مطلع 2002 لم يكن هناك قرار أتخذ بعد بغزو العراق. فهل هذا حقيقي؟ الإجابة لا.
فوثائق جديدة تظهر أن قرار الحرب اتخذ منذ مطلع 2002 وربما حتى بحلول نهاية 2001، وأن بلير وعد الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن بدعمه، وأن كليهما جهز للحرب قبل انتظار نتائج تحقيق المفتش الدولى على أسلحة الدمار الشامل فى العراق هانز بليكس.
ففى مذكرة كانت موجهة إلى بوش وتعود إلى شهر مارس 2002 يقول وزير خارجيته آنذاك كولن باول:»فيما يتعلق بالعراق، سيكون بلير معنا إذا ما أصبحت العملية العسكرية ضرورية. هو مقتنع بنقطتين. أولا أن الخطر حقيقي. ثانيا أن النجاح ضد صدام سيحقق نجاحات أخرى فى المنطقة». ويتابع باول فى المذكرة:»دعم بلير سيوفر الخط الإستراتيجى والتكتيكى والعلاقات العامة التى ستقوى الدعم العالمى للهدف المشترك الامريكى والبريطاني... بلير لديه المهارات لتقديم قضية ذات مصداقية حول مخاطر العراق على السلام العالمي».
هذه المذكرة التى كشفتها صحيفة «ميل اون صنداي» البريطانية تؤكد ما سبق وأشار إليه دبلوماسيون وسياسيون عملوا فى حكومة بلير واستقال بعضهم احتجاجا على الحرب، من أن إدارة بوش اتخذت قرارها بغزو العراق ربما منذ نهاية 2001 ومطلع 2002، وأنها بدأت الإعداد لملف الحرب وكانت تبحث فقط عن مبررات ودواع سياسية وأمنية فى محاولة لجعل الغزو قانونيا، وأن بلير لعب دور «الدعاية» للخطة الأمريكية، وأعلن دعمه لبوش فى حالة شن حرب على العراق منذ مطلع 2002 بدون أن يننظر تصويت مجلس العموم البريطاني، أو دعم الرأى العام البريطانى الذى كان معارضا بشكل حاسم للحرب.
وتكذب مذكرة كولن باول إلى بوش، مزاعم بلير أنه لم يكن هناك أفكار متداولة بينه وبين بوش لغزو العراق مطلع عام 2002. فمذكرة كولن باول كتبت قبل أسبوع من قمة كراوفورد، التى عقدت فى مزرعة بوش فى تكساس والتى قال خلالها بلير:»نحن ندرس كل الخيارات. أننا لا نقترح عملا عسكريا فى هذه اللحظة».
وكان السير كريستوفر ماير السفير البريطانى السابق لدى واشنطن قد قال أمام لجنة التحقيق البريطانية المعنية بحرب العراق وملابساتها، والتى يرأسها السير جون شيلكوت، إنه لم يكن موجودا خلال ذلك الاجتماع بين بوش وبلير. ويوضح ماير:»بالتالى ليس واضحا بالنسبة لى مستوى التفاهم، إذا ما أمكن استخدام ذلك التعبير، الذى وقع بالدم بين بلير وبوش فى كراوفورد».
ووفقا لشهادة ماير أمام لجنة التحقيق حول حرب العراق، والتى من المتوقع أن تصدر تقريرها النهائى قريبا، فإن الإعداد للحرب وتجهيز الجدول الزمنى للغزو سبق أى جهود دبلوماسية مزعومة من لندن وواشنطن، وقبل تقرير بليكس عن أسلحة الدمار الشامل فى العراق والذى خلص إلى أنه لم يعد لدى العراق أسلحة دمار شامل، إلا ان بلير وبوش قرارا تجاهل نتائج تقرير بليكس وغزو العراق فى كل الحالات.
وفى المقابلة مع «سى إن إن» يقر بلير أن غزو العراق عام 2003 كان له دور فى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق ولاحقا الشام. فلدى سؤاله عما إذا كان الغزو هو السبب الرئيسى لظهور داعش، الذى يسيطر فى الوقت الحالى على مناطق واسعة فى العراق وسوريا، أجاب بلير بأن هناك «جوانب من الحقيقة» فى هذا الأمر، لكنه قال أيضا أن داعش ولدت من رحم تنظيم «القاعدة فى سوريا» وليس من «تنظيم القاعدة فى العراق» فهل هذا حقيقي؟ الإجابة: لا.
ففى الواقع لم يكن لتنظيم «القاعدة» وجود قوى لا فى العراق أو سوريا قبل الغزو الأمريكى البريطانى للعراق. ولم يبدأ تنظيم «القاعدة» فى الظهور فى العراق إلا بعد سقوط صدام حسين، وتفكيك الجيش العراقى الذى ترك فراغا أمنيا استغله تنظيم «القاعدة» الذى جند ضباط سابقين بالجيش العراقى أصبحوا لاحقا مخططين إستراتيجيين بارزين فى التنظيم.
كما عززت «القاعدة» نفوذها وسط الكثير من العراقيين السنة بعد تغيير بنية النظام السياسى العراقى وتشكيل الشيعة للحكومة العراقية وتقربهم من إيران بحكم الروابط الطائفية والتاريخية والسياسية. وساعد على صعود «القاعدة فى العراق» بزعامة أبو مصعب الزرقاوى أن أطرافا إقليمية عديدة كانت مصممة على عدم استفادة إيران من إطاحة صدام، فبدأت تلك الدول فى دعم وتمويل وتسليح جهاديين وسلفيين وقبائل سنية وبعثيين من أجل إفشال مؤسسات الدولة العراقية الجديدة.
وهكذا بدأت «القاعدة فى العراق» تتبلور منذ عام 2006، أى بعد ثلاث سنوات من الغزو، كمشروع مضاد لشيعة العراق وإيران، باستخدام الجهاديين والبعثيين. وفى كتابه «الإعلام السوداء: صعود داعش» يحكى الكاتب الأمريكى ومراسل الحرب البارز جوبى واريك كيف جاء الزرقاوى من قاعدته فى أفغانستان إلى العراق ب»تكليف محدد» وهو إنشاء فرع للقاعدة فى العراق. ويقول واريك إن الزرقاوى وجد «حلفاء أقوياء راغبين فى مساعدته لتحقيق هدفه»، أعطوه عندما وصل إلى العراق الأسلحة والأماكن الأمنة، والعناصر الجاهزة للتجنيد، والأموال والمعلومات الاستخباراتية، وأنه برغم أن الكثير من هؤلاء الحلفاء الاقوياء كانوا اصدقاء لامريكا عموما، إلا أنهم كانوا ضد نتائج غزو العراق وأرادوا تغيير التطورات على الأرض بأى ثمن حتى إذا كان التحالف مع «القاعدة» وتمهيد الأرضية لها فى العراق.
من رحم «القاعدة فى العراق» خرجت «الدولة الإسلامية فى العراق» بزعامة أبو بكر البغدادي، ومنها خرجت العناصر الجهادية التى توجهت إلى سوريا لاحقا وشكلت «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» أو «داعش». فمع اندلاع الاحتجاجات فى سوريا، بدأ البغدادى فى إرسال مئات العناصر المدربة من العراق بدءا من اغسطس 2011 لتكوين نواة للقاعدة فى سوريا بقيادة أبو محمد الجولانى الذى بدأ بدعم من القاعدة فى العراق تجنيد وتدريب وتمويل جهاديين فى سوريا منتمين لتنظيم القاعدة الأم.
بعبارة أخري، على النقيض مما قاله بلير، القاعدة فى سوريا ولدت من رحم القاعدة فى العراق ولم يكن من الممكن تمددها وتسليحها بدون الموارد الكبيرة التى حصلت عليها من مركزها وشريانها الأساسى فى العراق. ومحاولة بلير نفى دور الغزو الأمريكى البريطانى للعراق فى صعود القاعدة والجماعات الجهادية المتشددة فى المنطقة هو تعتيم أو تواطؤ. وكل هذا يجعل الأعتذار المنقوص بلا قيمة أخلاقية أو سياسية أو تاريخية.
كذلك اعتذر بلير عما وصفه بأخطاء فى التخطيط والاستعدادات لمرحلة ما بعد الإطاحة بصدام وخطأ الأدلة الاستخباراتية التى استخدمت للتبرير للحرب، لكنه اعتبر أن القرار الرئيسى بشن الحرب «صحيحا»، قائلا: «من الصعب أن أعتذر عن الإطاحة بصدام. اعتقد أنه حتى اليوم فى العام 2015 فإن عدم وجوده أفضل من وجوده». فهل هذا حقيقي؟ الأجابة لا. ليس لأن صدام كان حاكما جيدا. صدام قتل عشرات الالاف من العراقيين بالأسلحة الكيماوية والتقليدية، لكنه فعل هذا وسط صمت وتواطؤ غربي. لكن أيضا منذ إطاحة صدام، قتل فى العراق منذ الغزو الأمريكى البريطانى 2003 وحتى اليوم ما بين 500 ألف إلى 600 ألف شخص. ولا يزال العراق يعانى حتى اليوم من انهيار أمنى وتدهور أقتصادى وعدم استقرار سياسى واحتقان طائفي. وفى كل استطلاعات الرأى فى العالم حول سعادة الشعوب ومستوى الحياة والخدمات والأمن، تجد العراق فى أدنى السلم العالمى رغم الثروات الكبيرة التى يتمتع بها. وفى استطلاع أخير للرأى أجراه مركز «جالوب» لإستطلاعات الرأى العام، كان الشعب العراقى «أكثر الشعوب تعاسة» فى العالم حيث يعانى من الحزن والقلق والخوف والغضب وعدم الثقة فى المستقبل.
ثم يقول بلير فى أعتذاره: «لقد حاولنا (الغرب) التدخل عبر نشر جنودنا فى العراق. ثم حاولنا التدخل من دون نشر الجنود فى ليبيا. ثم حاولنا عدم التدخل على الإطلاق باستثناء المطالبة بتغيير النظام فى سوريا. ولا يبدو لي... بأن السياسات اللاحقة، فى ليبيا وسوريا، قد أعطت نتائج أفضل». بعبارة أخرى يدافع بلير عن الفشل فى العراق بقوله إن هناك فشلا أيضا فى ليبيا وسوريا برغم اختيار مسارات مختلفة. فهل هذا حقيقي؟ الإجابة لا. فأسباب الفشل فى ليبيا وسوريا هى نفس أسباب الفشل فى العراق، وهى أن هناك قوى دولية وإقليمية لم تكن مرتاحة لما يحدث على الأرض فقررت الاستعانة بجماعات سلفية وجهادية بدءا من القاعدة وجبهة النصرة حتى داعش وأحرار الشام من أجل ضمان مصالحها الأقليمية فى شرق أوسط شديد التقلبات بسبب الصراع الاقليمى العنيف.
فلم يذكر بلير فى أعتذاره كلمة عن التأثيرات الأقليمية لغزو العراق. لكن الأثر الإقليمى الأكثر وضوحا هو الصعود الإقليمى الإيراني. وفى هذا الصدد يقول الأكاديمى البارز المتخصص فى الشرق الأوسط محسن ميلانى إنه لفهم كل ما يحدث فى الشرق الأوسط اليوم من حروب بالوكالة يجب العودة إلى عام 2003 عندما عزت أمريكا وبريطانيا العراق. فحرب أفغانستان كانت «حرب الضرورة»، لابد منها كرد فعل بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، لأنها كانت تحت حكم طالبان ولأن زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن كان يعيش فيها. لكن حرب العراق كانت «حرب اختيارية»، فلم يكن للعراق إى صلة ب11 سبتمبر ولم يكن على أمريكا غزو العراق لكنها غزتها.
هذا الغزو لم يغير فقط كل المعادلات فى الشرق الأوسط، بل والعالم. ويقول ميلانى إن الغزو الأمريكى للعراق ترتب عليه نتيجتين كان لهما تداعيات هائلة. النتيجة الأولى أن سنة العراق وهم نحو 20% من السكان لم يعودوا يحكمون العراق. فبعد الغزو أصبح الشيعة هم القوى الحاكمة فى العراق لأول مرة فى تاريخها وهذا ما لم يستطع السنة العراقيون أو دول الخليج هضمه.
وكان سبب المخاوف الإقليمية أن العراق عندما كان تحت حكم السنة كان «المعقل الأخير» أمام تقدم إيران نحو امتداداتها الشيعية فى سوريا حيث العلويون ولبنان حيث الشيعة. لكن بسقوط العراق فى فلك النفوذ الإيرانى أصبح «الهلال الشيعي» الذى حذر منه بعض الحكام العرب حقيقة قائمة. فالعراق تاريخيا بالنسبة لإيران إما «حائط صد» وأما «ممر عبور». امريكا وبريطانيا بعد الغزو حولتا العراق إلى «ممر عبور» إيراني.
ويتابع ميلانى موضحا:»لقد فعلت أمريكا لإيران ما لم يستطع الخمينى نفسه فعله لإيران وهو التخلص من صدام». فأمريكا أزالت أكبر عدوين لدودين لإيران على مدى الثلاثين عاما الماضية وهما صدام وطالبان. فبإزالة طالبان سمحت لإيران بمد نفوذها إلى افغانستان ووسط أسيا. وبإزالة صدام تحولت العراق، الدولة العربية الكبيرة، إلى حليف قوى لإيران بدلا من عدو، وهو ما فتح الباب أمام التصعيد الأقليمى الحالي.
من جهة أخرى يحاجج الكثيرون بلير أن الغزو الامريكى البريطانى للعراق مسئول أيضا عن ال250 ألف قتيل فى سوريا. فلو لم يقع العراق فى المدى الإيراني، ما استطاعت طهران مد النظام السورى بالمساعدة العسكرية والمالية التى أطالت بقاءه، عبر أراضى العراق الذى صار همزة الوصل بين إيران وسوريا عبر مستشارين ومقاتلين وأسلحة إيرانية تمر بدون أن عوائق. إلى جانب ذلك، طبقت دول إقليمية معادلة «سوريا مقابل العراق» بعد فترة قصيرة من الأحتجاجات فى سوريا وهو ما أدى إلى تحول الاحتجاجات فى سوريا إلى حرب بالوكالة. وبحسب ما قال مصدر غربى مطلع ل»الأهرام»:الكثير من الدول العربية التى تحمست لإطاحة بشار الأسد حركتها الرغبة فى نزع الورقة السورية من يد إيران بعد نيلها الورقة العراقية. فالورقتان السورية والعراقية فى يد إيران كان فوق احتمال الكثير من الدول العربية». وكان رهان هذه الدول أن الأسد سيذهب كما ذهب غيره ممن أطاحهم الربيع العربي، لكن هذا لم يحدث وبدأت دول وجمعيات ورجال دين فى تمويل ودعم جماعات جهادية فى سوريا حتى انفتح الصراع إقليميا ودوليا وبات الأعنف والأكثر تعقيدا فى كل الشرق الأوسط.
ربما يمكن القول أنه بدون وجود نظام عراقى حليف لإيران لسقط نظام الأسد وتم تلافى مقتل ربع مليون سورى بين مدنى وعسكرى فى المواجهات بين النظام والمسلحوين والجهاديين. لكن هذا لا يعنى أن عددا مماثلا لم يكن ليسقط فى حرب تطهير عرقية وطائفية (تماما كما حدث فى العراق) لو سقط النظام السورى عام 2011 كما كان يأمل الغرب ودول إقليمية عديدة.
سيقول الكثيرون لبلير بعد اعتذاره المنقوص أيضا إنه بدون غزو العراق، لما أصبحت المسألة الكردية بنفس الإلحاح، ولما قتل آلاف الأكراد فى العراق وتركيا وسوريا على يد السلطات المركزية أو داعش لإنهاء احلامهم فى دولة كردية. وسيقولون إنه بدون غزو العراق لما بات الاحتدام الطائفى بين السنة والشيعة بهذا العنف.
لقد قرأت الصحف البريطانية اعتذار بلير على أنه محاولة استباقية منه للدفاع عن نفسه قبل صدور تقرير شيلكوت، وأنتقدت الأغلبية «سيرك» بلير الذى سيبدأ من أجل تبرئة ساحته. يريد بلير أن يغسل يديه من دماء مئات الآلاف فى المنطقة باعتذار يجهل ويتجاهل كارثية الملفات والجروح التى فتحها هذا الغزو على أبناء المنطقة من عرب وأكراد وشيعة وسنة ومسيحيين ويزيديين وأرمن وتركمان ونساء ورجال وأطفال ودول ومجتمعات. هذا ليس اعتذارا، إنما محاولة للتنصل من المسئولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.