تحولات الناصريين من الدعوة لإلقاء إسرائيل في البحر إلى التطبيع ما زال يحتفي الناصريون بتصريحات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الرافضة للكيان الصهيوني، والداعية لإلقاء إسرائيل في البحر، مع كل ذكرى لناصر، حيث ظل الناصريون يرددون تصريحاته وأقاويله، حتى قرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، التوقيع على اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1977، وعندها عجت شوارع القاهرة ومصر بأسرها بالمظاهرات الرافضة، وكتب الناصريون المقالات في الجرائد والمجلات، للتنديد بقرار السادات وكالوا له الاتهامات بالخيانة وبيع دماء شهداء الحروب المختلفة مع إسرائيل. وطالب الناصريون على مدار عقود بالعودة إلى سياسة عبدالناصر تجاه إسرائيل وظلوا يتغنون بذلك، خلال عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، كما نظم الناصريون بجانب الإسلاميين المظاهرات الرافضة لأي تطبيع يحصل مع الكيان الصهيوني، داعين لطرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات مع إسرائيل. وعقب فوز مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية، كأول رئيس بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ندد الناصريون بنص رسالة الرئاسة المصرية إلى إسرائيل، والذي بدأ ب"صديقي العزيز شيمون بريز"، والتي استغلها الناصريون في معايرة الإخوان بتلك الرسالة. ولكن بعد فوز المشير عبد الفتاح السيسي برئاسة الجمهورية، والحرب الإسرائيلية على غزة تخافتت الأصوات الناصرية لأول مرة عن تنديدها بالعدوان، وظلت كذلك حتى اختفت، بل تحولت الدعوة إلى نسف قطاع غزة. وخلال مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي، في اجتماعات الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا السيسي في تصريحات إعلامية، الدول العربية، إلى توسيع دائرة السلام مع إسرائيل؛ مما أثار العديد من الانتقادات، لكن الملاحظ أن الصوت الناصري المعروف برفضه لأي علاقات مع إسرائيل فضّل الصمت ولم يعقب لأول مرة منذ نشأة الفكر. ورأى الدكتور سعيد صادق، أستاذ العلوم السياسية، أن الفكر الناصري والفكر اليساري كانا لهما ظروفهما الخاصة بتلك الفترة التي لمعا فيها وبرزا، لكنهما لم يستمرا بفعل التغيرات السياسية الطارئة على المنطقة، مشيرًا إلى أن التجربة الناصرية أصبحت تاريخية وانتهت، وأن نموذج الزعيم جمال عبدالناصر أصبح عبارة عن فيديو كليب يعود إليه البعض ليتذكروا تصريحاته القوية. وتابع صادق موضحًا ل"المصريون" أن الفكر الناصري أصبح محصورًا في عدد من الشخصيات البارزة التي عايشت فترة ناصر، مؤكدًا أن أكثر من60% من الشعب المصري لا يعرف الفكر الناصري، بالإضافة إلى أن الأجيال الجديدة جاهلة وغير مهتمة بالفكر من الأساس، مما يجعله مهددًا بالانكسار، مشيرًا إلى أن القيادات الناصرية مثل سامي شرف، ومحمد حسنين هيكل أصبحت من الظواهر الإعلامية. وتوقع أستاذ العلوم السياسية، اختفاء الفكر الناصري مع وفاة تلك الشخصيات الحالية، مرجعًا ذلك بتساؤل عن أين الأجيال الجديدة من التجربة الناصرية؟ وعزا تراجع التجربة الناصرية إلى تغير الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية عن فترة الخمسينيات والستينيات الذي شهد نشأة تلك الظاهرة. وأشار أستاذ العلوم السياسية، إلى أن التيار الناصري أصبح منقسمًا إلى معسكرين: الأول يدعّم ويؤيد الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي والثاني يفضّل البقاء في المعارضة وألا يصبح جزءًا من السلطة الحالية، ويفضّل هذا الاتجاه الالتزام بمبادئ التيار وثوابته وعدم الانجرار وراء بريق المناصب على حساب حقوق المواطنين ومصلحة الوطن. وعن تشبيه البعض للرئيس السيسي بعبدالناصر، أوضح صادق، أن الرئيس عبدالفتاح السيسي فور توليه السلطة كانت العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية متوترة، مما جعل السيسي يبدأ في اتخاذ سياسة جديدة نحو الدب الروسي، والابتعاد عن الولاياتالمتحدة، فضلاً عن وعوده الاقتصادية التي كانت تشبه سياسة ناصر، مما جعل الناصريين يأملون فيه ناصر الجديد. وتابع صادق، مع الوقت أصبح كل ما سبق مجرد أشياء رمزية، استغلها السيسي بحكم الظروف السياسية للضغط على الأمريكان، والتصدي للامبريالية، وعادت العلاقات المصرية الأمريكية لسابق عهدها، فأصبحت مصر تستورد السلاح من أمريكا، فضلاً عن أن مصر باتت تنسق مع إسرائيل وهو ما يخالف الفكر الناصري. كما أن الرئيس بدأ في اتخاذ خطوات تكشف عن ميوله واتجاهاته الرأسمالية كرفع الدعم وبدأ يسير في اتجاه معاكس للفكر الناصري القائم على الاشتراكية والمساواة والعدالة الاجتماعية ودعم الفقراء. ومن جانبه، أكد الدكتور محمد السيد، أمين لجنة السياسات بالحزب الناصري، أن مواقف الناصريين واضحة ومعروفة للجميع ولم تتغير، عن سياسة الزعيم جمال عبدالناصر، مشددًا على استمرارهم في مشروع عبدالناصر القائم على تحقيق العدالة الاجتماعية ورفض الرأس مالية، ورفض الكيان الصهيوني. وفى تصريح خاص ل"المصريون" رفض السيد الاتهامات الموجهة حول تخلي الناصريين عن القضية الفلسطينية، قائلاً: "مواقفنا واضحة ورافضة للكيان الصهيوني"، ومدللا بذلك بتصريح له على موقعه الخاص يرفض دعوة السيسي حول توسيع دائرة السلام مع إسرائيل، مشددًا على أن هذا الكلام مرفوض ويسقط أي شخص يعتبر الكيان الصهيوني دولة. وأشار أمين لجنة السياسات، إلى أن الشخصيات المنتمية للفكر الناصري كثيرة، ولكن الفكر الناصري واحد، وكل مَن يخرج عن الفكر يعتبر مرتدًا على الناصرية ويخرج من إطار الناصرية، لافتًا إلى عدد من الشخصيات المحسوبة على التيار الناصري مثل مصطفى بكرى وحمدين صباحي، قائلاً تلك الشخصيات لها بعض الأخطاء، منوها إلى الانتقادات التي وجهوها من قبل لبكري بعد أن أظهر تخليه عن القضية السورية العربية والتي تواجه الإرهاب، ويتساوى مع حمدين صباحي الذي لم يتحرك أيضًا لتأييد سوريا في حربها ضد الإرهاب، وفق تعبيره، كما رفضنا تصريحاته حين أعلن ترشحه للرئاسة، وقال إنه سيعرض اتفاقية السلام من خلال استفتاء الشعب، مشددًا على أن موقفهم واضحة ولا توجد بها ميعوه أو خلل في الأفكار الرئيسية للناصرية. وحول اختفاء الدور الحزبي للحزب الناصري، قال السيد، إن الدور الحزبي للأحزاب المصرية تعانى من خلل وضعف، مرجعًا ذلك إلى النظام الانتخابي الذي وضعته حكومة محلب والتي هي من الأساس ضد فكرة الحزبية، ويقضي على الحياة الحزبية، مشيرًا إلى أن الأنظمة السابقة دأبت على زرع الفتن داخل الأحزاب، وقد نتج عن ذلك انشقاقات داخل الحزب، لافتًا إلى أنه توجد حاليًا بسبب ذلك من أربعة إلى خمسة أحزاب ناصرية، فضلاً عن المستقلين الذي كفروا بالحزبية. ورأى السيد أن على الدولة أن تدعم الأحزاب بشكل منصف وفيه عدالة، ويكون ذلك دعمًا بالمال للأحزاب الضعيفة غير القادرة، ولكن من الواضح أن الدولة ترفض ذلك وتحاول على العكس بأن تقضي على الحياة الحزبية. عن تشبيه البعض للسيسي بعبدالناصر الجديد، أوضح السيد، السيسي قدم نفسه للشعب في ثوب جمال عبدالناصر وأنه ضد الرأس مالية ومع الفقراء، ولذلك المواطنين رفعوا صوره في الميادين وطالبوا بترشحه للانتخابات، ولكن التقييم يكون وفق ما قدمه السيسي على أرض الواقع والوعود التي نفذها حاليًا، مشيرًا إلى أن الواقع كان عكس كل الوعود والحقيقية السيسي لم ينفذ وعوده حيث ن رجال الأعمال مازالوا يسيطرون وبسبب ذلك الأثرياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقرًا، كما أن النظام القديم الذي قامت عليه الثورة مازال يحكم. وتابع السيسي لم يغير أي شيء يذكر لتحقيق التنمية، لافتًا إلى أن السيسي نجح في الملف الخارجي وعودة مصر إلى مكانتها عربيًا وإفريقيًا وعالميًا، ولكنه فشل في الملف الداخلي، مؤكدا أن المواطن البسيط لا يعنيه نجاح السيسي خارجيًا ولكن يعنيه حياته اليومية، التي يعانى منها بسبب ارتفاع الأسعار، مشددًا على أن المواطن ناقم على سياسة السيسي. وأضاف أمين لجنة السياسات، وفقًا لما سبق لا توجد إرادة حقيقية لمواجهة رموز الفساد، مدللاً على ذلك بتشكيل الحكومة الجديدة، والتي كان من المفترض إقالة حكومة محلب بشكل كامل بسبب فضيحة الفساد، حيث إن الدستور أعطى السيسي حق التشريع ولكنه فوض محلب ببعض اختصاصاته والتي منها حق التشريع وكان من نتيجة ذلك قانون الانتخابات المعيب.