كانت تجلس وحيدة في مصلى النساء بأحد المساجد بعد صلاة المغرب، وجهها شاحب، عيناها ذابلتان دامعتان، يكسو ملامحها الألم والحيرة والتيه.. فاقتربت منها إحدى الأخوات واستأذنتها في أن تقعد بجوارها بعض الوقت، ثم سألتها: ما بكِ أختي؟.. مالي أراكِ حزينة، شاردة الذهن، هلا اعتبرتِني أختك وصديقتك وحكيتِ لي عما يؤلمك، عسى أن أنجح في التخفيف عنك؟.. ولأنها كانت في أمس الحاجة إلى الفضفضة والتنفيس عما يعتريها، رحبت بها، وأثنت على طيبتها، وإحساسها العالي بالآخرين.. وقالت لها: قلبي يعتصر ألما، لأنني اكتشفت أن زوجي متزوج بأخرى، وأفكر جديًا في طلب الطلاق وترك البيت، لأنه لم يخبرني، رغم أنني أتقي الله فيه وأقوم بواجباتي كلها على أكمل وجه بشهادته وشهادة أهله..
فردت عليها قائلة: هوني عليك أختي، أشعر بكِ، زوجك لم يرتكب محرما.. التعدد شريعة من شعائر الإسلام، تبيح للرجل الزواج باثنتين أو ثلاث أو أربع لحكم يعلمها سبحانه.. أنا أيضًا زوجي تزوج عليَّ والحمد لله، وسأحكي لكِ قصتي معه عسى أن يكون فيها المَثَل والعبرة..
عرفتُ زوجي في الجامعة، وأحببته وأحبني، وبعد التخرج خطبني ثم تزوجني سريعا؛ حيث كان دَيِّنًا لذا أراد أن يكمل دينه ويحصن نفسه بالزواج، فمنَّ الله عز وجل عليه ووسع له رزقه..
قضيت معه بعد الزواج ثمانية من أجمل سنين عمري، ثم تغيَّرت الأحوال. كنت ألاحظ أنه كثير الاتصال بأحد زملائه الذين لا أعرفهم، ثم علمت أن زميله هذا ما هو إلا زوجته الثانية. صُدِمْتُ وشعرتُ بخيبة الظن والأمل حين علمت أنه قد تزوج بها منذ أكثر من عامين ونصف العام دون أن يخبرني، فطبيعة عمل زوجي كانت تقتضي سفره المستمر وبياته خارج البيت، لذا لم أكتشف طوال هذه الفترة سألته: لِمَ لمْ تخبرني؟ أجاب: لأنك كنت حاملاً وخفت علىك وعلى الجنين، وحتى بعد الولادة خفت على الرضيع حتى لا تتأثري ويتأثر معك.. قبلت بالأمر وتعرفت على ضُرّتي، وعلمت أنها امرأة ديِّنة تخاف الله وكانت ترضى بمبيته القليل عندها من أجلي، وبعد ذلك بدأت أعيد التفكير وترتيب الأمور في نفسي.
أعلم أن زوجي يحبني جدا؛ فهو يعرفني ويعرف غيري، فعلم ما يميزني عنها، وصار يشتاق إلي كثيرا بعد أن كنا نشعر بالملل، وصار مزاجه جيدا جدا ربما للتنوع الحاصل في حياته، كما صار يرى فيَّ ما لم يكن يراه بل ما لم أكن أنا أراه من نفسي، فصار يلاحظ اهتمامي بلبسي وأموري كلها وحسن إعدادي للطعام والشراب وتنويعي فيه، أي أن كل عيوب الأخرى صارت مزايا لي، ومع كل هذا فقد كنت دائمة التواصل معها.
زاد الرزق وبارك الله فيه، فقد كان زوجي متوسط الحال، ومعه سيارة لا يتجاوز ثمنها الثلاثين ألف جنيه، فصار معه بدلا من السيارة ثلاثة، ثمن أقلهن مائة وخمسون ألف جنيه، وتوسعت تجارته جدا، واشترى الأراضي والعقارات، ولا تظني أن هذا بسبب غنى زوجته الثانية؛ فالأمر ليس هكذا، بل إنه والله أعلم، ببركة الزواج.
ورغم أني أحب زوجي وأغار عليه، فقد نظرت إلى زواجه على أنه أمر مباح بل ربما يكون عبادة وطاعة لله، ورأيت أنه بهذا الزواج قد أحصن امرأة مسلمة وأدخل على قلبها السرور، فزوجي ولله الحمد طيب القلب حسنُ الخلق، كريم وحنون، وشهم، ويحب الخير لكل الناس، ويستطيع أن يدخل السرور على أي امرأة يعرفها. كنت أستطيع أن أقلب حياته رأسا على عقب ولكنني تذكرتُ الله سبحانه، ثم تذكرت زوجته الأخرى ودينها وصلاحها، وعلمتُ أنها دائما ما توصيه بي خيرا.
يقولون: رُبَّ ضارة نافعة، وصدقوا. فقد كنت أحب زوجي حبا يفوق المباح، وكنت أطيعه في كل أمر يأمرني به، مع أنني ربما تكاسلت عن صلاة ركعتين في جوف الليل، وبعد زواجه علمت أن الأصل هو حب الله سبحانه، واللجوء إليه، وعلمت أن زوجي ليس إلا سببا، وأن الله فوق الأسباب جميعها، وعلمت أن القلوب بيده وحده سبحانه، فعدتُ إليه وواظبت على الدعاء كي يخفف عني آلام بعد زوجي عني، خاصة بعد معرفتي بزواجه.
ومما استفدته من هذا الزواج تغيُّر نظرة أهل زوجي إليّ، فقد كانوا يظنون أنني صاحبة القرار في البيت، لأنه يشاورني في كل أموره وينظرون إلى هذا على أنه تبعية لي، فدلهم زواجه على أنه صاحب الأمر والنهي في البيت، وأن قراراته لا تصدر إلا عن قناعته هو، فزاد حبهم لي وتعاطفهم معي خاصة والده ووالدته، وتغيرت نظرتهم إلي، فصاروا يرون فيّ الطيبة والحنان والكرم،
تغيرت نظرتي إلى الحياة وإلى التعدد، حتى أنني صرت أنصح أخي بالتعدد، وأنصح كل صديقاتي أن يدفعن أزواجهن إلى التعدد؛ فهو بركة في الرزق، وإحصان لمسلمة، ويحسن العلاقة بين الزوجين، وأشياء أخرى كثيرة.
لقد لاحظت أن زوجي يعود إلي وهو مشتاق إلى لقائي، وليس هذا بسبب بعده عن الثانية؛ فقد كنت أعلم من ثيابه أنه يؤدي لها حقها، ولكنه صار يؤدي لي حقي وزيادة، وصارت الأمور أجمل مما كانت، وتحسنت أموره معي في الفراش كثيرا. تحسنت أخلاقي كثيرا مع زوجي، فأنا الآن أكثر رقة معه، ولم أعد أرفع صوتي أو أتصنع المشاكل؛ وأضع نصب عيني دائما أن لديه البديل.
إن نعم الله علي وعلينا كثيرة، وينبغي لنا أن نحب للمسلمين ما نحبه لأنفسنا، لذا فإنني أنصحك أختي أن تتقي الله سبحانه وتفكري في أحوال غيرك ممن لم يتزوجن أو تزوجن وطلقن أو ترملن، واعلمي أن الآخرة خير وأبقى، والراحمون يرحمهم الرحمن.