ما إن أعلن عن وصول نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى القاهرة لتوقيع بروتوكول بعثة المراقبين العرب، إلا سارع كثيرون للتساؤل حول أسباب التغيير المفاجئ في موقف نظام الأسد وهل الأمر مرتبط برؤية جديدة للتجاوب مع الاحتجاجات الشعبية أم أنه مجرد مناورة جديدة لكسب الوقت والالتفاف على ضغوط الداخل والخارج؟. ولعل ما ضاعف من المخاوف في هذا الصدد أن الأسد طالما وافق على مبادرات عربية لحل الأزمة ، إلا أنه سرعان ما وضع شروطا لتنفيذها على أرض الواقع . ويبدو أن التطورات التي سبقت الإعلان عن توقيع المقداد البروتوكول العربي ضاعفت المخاوف أكثر وأكثر، حيث ربط البعض بين هذا التطور ومحاولة الأسد إجهاض أي تحرك ضده في مجلس الأمن الدولي . ففي 17 ديسمبر، أعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني أن الجامعة العربية تعتزم الطلب من مجلس الأمن الدولي تبني مبادرتها الخاصة بسوريا، لافتا إلى أن الأمر بحاجة إلى موافقة الأغلبية في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة في 21 ديسمبر . وقال بن جاسم عقب اجتماع اللجنة الوزارية العربية المكلّفة الملف السوري والذي عقد في الدوحة في 17 ديسمبر :"استنفدنا كل السبل وسنبحث في اجتماعنا المقبل التوجه إلى مجلس الأمن". وأضاف "بما أن روسيا ذهبت إلى مجلس الأمن، خرجنا نحن بمشروع قرار بأن الجامعة ستتوجه إلى مجلس الأمن لطرح المبادرة العربية، وهناك شبه إجماع مع تفهم أن هذه الخطوة مطلوبة". وفيما اعتبر أقوى رسالة تحذير لدمشق حول تدويل الأزمة واحتمال التدخل العسكري ، قال بن جاسم :" اجتماع 21 ديسمبر سيكون حاسما ومهما وآمل أن توقع دمشق قبل ذلك على المبادرة العربية وإلا فلا حول ولا قوة ، نحن لا نريد أن يتأمل الشعب السوري وهو يُذبح بأن العرب سيقومون بشيء ثم لا يقومون، وبالتالي بات علينا أن نفعل شيئا لهذا الشعب، والخيارات كلها مفتوحة، والعقوبات اتخذ القرار بشأنها". وبجانب ما سبق ، فإن التغيير في موقف نظام الأسد جاء قبل ساعات قليلة من بحث مجلس الأمن الدولي مشروع قرار روسي يدعو إلى وقف أعمال العنف وبدء عملية سياسية بين الحكومة السورية والمعارضة، كما يؤيد قرار المبادرة العربية التي تدعو إلى نشر مراقبين عرب في سوريا. ورغم أن مشروع القرار الروسي لم يتضمن عقوبات ضد نظام الأسد ، إلا أن البعض اعتبر التغيير في موقف موسكو رسالة تحذير للأسد بأن التعويل على الدعم الروسي لايكفي لإنقاذه ، خاصة وأنه بدت هناك بوادر صفقة بين موسكو والغرب حول عدم انتقاد الانتخابات البرلمانية الروسية الأخيرة ، مقابل تحرك روسيا للضغط على دمشق. أيضا ، فإن التغيير في موقف نظام الأسد جاء متزامنا مع انطلاق القمة الخليجية ال 32 في الرياض والتي تصدر الملف السوري جدول أعمالها . ويبدو أن تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال كارتن ديمبسي حول أن كل الخيارات متاحة في التعامل مع الملف السوري، بما فيها الخيار العسكري، زادت أيضا مخاوف نظام الأسد من أن تدويل الأزمة بات على الأبواب . وبصفة عامة ، فإن الأيام المقبلة ستوضح ما إذا كان توقيع المقداد البروتوكول العربي محاولة جديدة لكسب الوقت أم لا ، حيث أن السلطات السورية وقعت في وقت سابق مبادرات بوقف إطلاق النار وتعهدت بتطبيق إصلاحات ديمقراطية، بما في ذلك تعديل الدستور والإفراج عن المعتقلين، وإنهاء سيطرة حزب البعث على مقدرات الحياة السياسية في البلد، ولكن لم تحظ مثل هذه العهود بالتطبيق الفعلي على أرض الواقع. ويبقى الأمر الأهم وهو موقف المعارضة السورية من التطورات السابقة، خاصة وأنها طالما اتهمت الجامعة العربية بمنح نظام الأسد العديد من المهل التي استغلها لقتل العشرات من المدنيين الأبرياء . وكانت جامعة الدول العربية علقت عضوية سوريا وفرضت عقوبات عليها بسبب رفض الأسد قبول المبادرة العربية التي تدعو دمشق لإنهاء إراقة الدماء والإفراج عن السجناء وسحب القوات من المدن وبدء محادثات مع المعارضة وإرسال مراقبين عرب لمتابعة الوضع على الأرض والسماح بدخول وسائل الإعلام. وبالنظر إلى أن دمشق لم ترفض الخطة صراحة وماطلت في التوقيع عليها بحجة أن الطلب الخاص بنشر مراقبين قد يمثل انتهاكا لسيادتها، فإن المعارضة شككت في التزام الأسد بتنفيذ المبادرة وأيدت طرحها على مجلس الأمن الدولي، ما يجعلها الأساس لأي جهود دولية أوسع نطاقا لإرغامه على إنهاء العنف.