في مصر توجد هوة سحيقة بين الإنسانية والإنسان من المنظور الإنسانى..وهوة سحيقة بين النظرية والتطبيق من المنظور الدينى.. وهوة سحيقة بين النظرية والتطبيق من المنظور القانونى..وهوة سحيقة بين النخبة والمجتمع من منظور مجتمعى. كل هذه الملاحظات تظهرها الحالة المخجلة التى يبدو عليها مستوى النظافة المتردى فى مصر مهد الحضارة والديانة والتاريخ.. إن أول ماأنتجته الحضارة والديانة والتاريخ هو الإنسانية... ..لذلك فالمواطن المصرى يمتلك -نظريا- إرثا من الإنسانية يتفوق به على كل دول العالم. فى الواقع يقف المراقب للحالة المتدنية لمستوى النظافة فى مصر والمراقب بقلب محترق لانتشار القمامة على الطرقات وفى الميادين وعلى الجسور وفى مياه الترع التى يحملها نهر النيل فى رحلة شاقة من قلب إفريقيا ومن الهضبة الأثيوبية الى مصر مبهوتا أمام ظاهرة ضياع الإنسانية وإنتاج الرداءة. تنطفىء الإنسانية بداخل الإنسان وتخبو معانيها عندما لايدرك الإنسان خطورة سلسلة التلوث الشيطانية ودورها فى تدمير صحته وصحة أولاده.. تضيع الإنسانية من الإنسان عندما لايدرك أن سلامته الصحية .. هى رأس ماله للعمل والانتاج والبناء ومواصلة الكفاح من أجل أولاده ووطنه. إلقاء القمامة وما تحتويه بعض مكوناتها من مادة الرصاص بهذه البساطة من أياد نزعت منها الإنسانية.. يقود الى تلويث الأرض والمياه.. ومادة الرصاص التى تدخل عن طريق جذور النبات إلى المنتجات الزراعية التى تمثل كل طعامنا تصل الجسم مع الطعام ولاتخرج منه ولاحتى بالعلاج وتستقر فى الكبد.. فتكون سببا قويا لأمراض الكبد... التى تعانى منها شرائح عمرية كثيرة من أبناء مصر. من هنا تأتى دهشة المراقب لشخصية الإنسان المصرى التى تلوث بيدها طواعية لتمرض..فالأمر لايقتصر على تلويث الأرض والمياه ولكنه يمتد لتلويث الهواء أيضا لأن نفس الإنسان يضطر لحرق القمامة الملقاة على الجسرأو على نواصى الطرقات.. فيضاف إلى تلويث الأرض والمياه أيضا تلويث الهواء بالدخان لنستنشقه..وهو مايلاحظه المراقب فى عدم وضوح الرؤية فى بلادنا نتيجة تشبع الهواء بالدخان الناتج عن ألاف الحرائق الصغيرة للقمامة المتراكمة فى ربوع مصر.. فيضاف لأمراض الكبد أمراض الرئة ..فتزداد الحلقة الشيطانية إحكاما على أهل مصر .. لتنتج أمة معتلة لاتقوى على البناء. يزيد الموقف تأزما ...عدم قيام دور العبادة بدورها الدينى والأخلاقى المؤثر الذى يمكننا من إقناع المصريين بحاجتهم الماسة للخروج من تلك الغيبوبة التى تسبب لهم المرض والإهانة.. فالقمامة قبح ومرض. حتى لو عمدت دور العبادة للقيام بدور فعال نحو توعية ممنهجة للإنسان بقيمة النظافة فإن القلق يظل قائما تجاه الواعظ الذى قد لايمتلك التأهيل الكافى لطرح الموضوع عن قناعة وإيجاد المنهج الخطابى الشامل الذى يمكنه من طرح الموضوع بصيغة منطقية من منظور عقائدى يتسبب فى تغيير نفسية المستمع. كما أن غياب دور الدولة المتمثل فى عدم تطبيق القانون بحزم يعتبر السبب الرئيسى نحو تفاقم المشكلة. يتلازم مع مسؤلية دور العبادة والقانون دور وسائل الإعلام التى خذلت المجتمع بعدم وضعها لمناهج إعلامية رصينة تهدف إلى توعية المواطنين بمثل هذه المشروعات القومية التى يعود أثرها على مصر بالنفع الكبير على المستوى المحلى وعلى صورة مصر أمام المجتمع الدولى.. كما يجب ألا ننسى عدم قيام نجوم الرياضة والفن والعلم بتبنى حملات لتوعية الجماهير بأهمية العيش فى وطن نظيف. قمنا بحملات للتوعية بقيمة النظافة وخطورة التلوث عن طريق إلقاء محاضرات بالبروجيكتور فى دور العبادة والشوارع والمنتديات والمدارس. لنخلص من تلك التجربة الى أن حجر الأساس لتغيير مفهوم الإنسان المصرى تجاه تلك القضية هم أطفال المدارس لاسيما المدارس الابتدائية. وهذه التجربة –تجربة التوعية عند أطفال المدارس- نضعها تحت أمر المسؤلين فى مصر لتنفيذها.. فربما يكون هؤلاء الأطفال هم السبب لتغيير وجه التاريخ فى مصر الحديثة.. وإن حدث هذا فلن يستمتع المصريون فقط بنظافة بلدهم.. ولكن سيزداد عدد السائحين إلى مصر.. لأن النظافة قيمة رفيعة تزيد احترام العالم للبلد النظيف.