حذر اريك تراجر، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الإدارة الأمريكية من الاستجابة لدعوات إعلامية بسحب قوات "حفظ السلام" الدولية من سيناء، في ظل المخاوف من تصاعد نشاط "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش). وحث تراجر، إدارة الرئيس باراك أوباما على الاستمرار في تشجيع الجيش المصري على تحديث استراتيجيته ضد الجهاديين في سيناء، قائلاً: "في حين رفضت القاهرة سابقاً العروض الأمريكية بتوفير التدريب في مكافحة الإرهاب، إلا أن المسؤولين العسكريين المصريين أبدوا اهتمامهم بهذه التدريبات في أعقاب "الحوار الاستراتيجي" الذي عُقدَ هذا الشهر بين واشنطنوالقاهرة". وأضاف "لذا ينبغي على واشنطن النظر في الفرص المتاحة لتحسين التنسيق في مكافحة الإرهاب، وذلك لأن وجود استراتيجية مصرية أكثر فعالية تعني توفير أمن أفضل لأفراد "قوة المراقبين المتعددة الجنسيات" وللملايين من المصريين على حد سواء". وأوضح تراجر أنه "ليست هذه هي المرة الأولى التي فكرت فيها واشنطن بسحب "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون"، فقد دعت وزارة الدفاع الأمريكية خلال الإدارتين السابقتين ولفترة وجيزة إلى اتخاذ هذا النهج لأنها أرادت أن تُوجّه أفراد "قوة المراقبين" إلى مكان آخر". وأشار إلى أن "هناك مخاوف مختلفة تمامًا - وصحيحة للغاية - تحرّك مداولات إدارة أوباما حول ضمان أمن أفراد "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون"، فالتطوّر المتزايد للجهاديين، إلى جانب استراتيجية الجيش المصري التي عفا عليها الزمن، يشكّلان تهديدًا كبيرًا لعملية حفظ السلام التي كان يُعتبر خطرها في السابق منخفضًا للغاية". وتابع "رغم هذه المخاوف، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تأخذ بعين الاعتبار مخاطر تغيير انتشار "قوة المراقبين المتعددة الجنسيات" في أيّ وقت قريب. أولاً، يهدّد أي تقليص في قدرة "قوة المراقبين" بإضعاف بعثة متعددة الجنسيات التي لم تكتف بالتحقق من تطبيق معاهدة عام 1979، بل تشجّع أيضًا على التنسيق الاستراتيجي غير المسبوق القائم حاليًا بين مصر وإسرائيل". وقال إن "هذا التنسيق ليس حتميًا، فالعلاقات الثنائية كانت على وشك الانهيار في سبتمبر 2011، عندما هاجم غوغاء مصريون السفارة الإسرائيلية في الجيزة بعد ثلاثة أسابيع من مقتل ستة جنود مصريين خطأً من قبل القوات الإسرائيلية، بينما كانت هذه الأخيرة تطارد الجهاديين عبر الحدود". وذكر أنه "في وقتٍ لاحق، خفّض زعيم "الإخوان المسلمين" الرئيس المصري السابق محمد مرسي، العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في العام الذي تبوّأ فيه الحكم. وطوال تلك الفترة المُبهمة، سهّلت "قوة المراقبين" التعاون الثنائي، لا بل استحصلت أيضًا، في وجه تنامي التمرّد في سيناء، على إذن من إسرائيل يسمح بنشر قوات مصرية يتجاوز عددها الحدود التي فرضتها المعاهدة". ومضى قائلاً: "على أقل تقدير، يشكّل التنسيق الاستراتيجي القوي القائم حاليًا حجة لصالح أهمية "قوة المراقبين" وليس لحجمها المفرط". واعتبر الباحث الأمريكي أن "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" تُعدّ من النجاحات القليلة التي حقّقتها سياسة الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، محذرًا من أن "أي خطة لتقليصها ستزعج بصورة أكثر أولئك الحلفاء الذين يشعرون بالقلق من المغادرة الأمريكية المحسوسة من المنطقة، وستقوّض كذلك الجهود التي بذلتها إدارة أوباما لطمأنة هؤلاء الحلفاء بعد الاتفاق مع إيران". واستدرك: "لهذا السبب، إذا كانت هذه الإدارة جادة بشأن تغيير انتشار "قوة المراقبين" الأمريكية، ينبغي عليها أن تنسّق هذه التغييرات مع مصر وإسرائيل لكي تُظهر أنها تعمل بشكل كامل مع حلفائها في السعي إلى تحقيق المصالح المتبادلة. أما المداولات الأحادية، فتبعث برسالة معاكسة وتشير إلى أن واشنطن لا تريد إلا الانسحاب". ووصف تراجر، النهج المتبع بمحاربة الجهاديين في سيناء بأنه "عفا عليه الزمن"، وقال إنه "فاقم المخاوف" لدى المسئولين الأمريكيين إزاء الإبقاء على القوة الأمريكيةبسيناء، إذ أنه "بعد مرور عامين على العملية الحالية للجيش المصري، لا يزال هذا الجيش يعتمد على تكتيكات أكثر ملاءمة مع المعارك التقليدية من حملات مكافحة التمرّد". ونسب إلى مسؤولين أمريكيين، القول: "تسبّب الجيش بنفور السكان المحليين من خلال دخوله القرى في تشكيلات كبيرة، واستهدافه العدو على نحوٍ غير دقيق باعتماده على المواجهة النارية (المدفعية والضربات الجوية)، وإخفاقه في تزويد عمليات قواته الخاصة بالاستخبارات المستهدِفة". مع ذلك، أشار إلى أن الجيش المصري استجاب للمطالب الأمنية التي تقدمت بها "قوة المراقبين"، فزاد من عدد الدوريات، وعزّز بعضًا من نقاط التفتيش التابعة له، وأسّس وجودًا وقائيًا في أخطر المناطق التي تعمل فيها قوات حفظ السلام - بعد أن هدّدت "قوة المراقبين" بالتخلي عن بعض مراكزها. وقال إنه "لا يزال ثمة قلق شديد بشأن أمن "قوة المراقبين" على المدى البعيد، ففي كلّ مرة واجهت وحدات "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" هجماتٍ محتملة، لم يخرج الجيش المصري من مواقعه المُحصّنة للاشتباك مع مقاتلي "ولاية سيناء"، الأمر الذي دفع بمسؤولين أمريكيين إلى إثارة التساؤلات حول ما إذا كانت القاهرة تحاول فقط احتواء الوضع، بدلاً من إلحاق الهزيمة بالجهاديين". وقوات "حفظ السلام" في سيناء هي قوات لا تتبع للأمم المتحدة كحال قوات "يونيفيل" في جنوبلبنان، فهي تتبع للولايات المتحدة وتخضع لإدارتها، ويطلق عليها اسم "ذات القبعات البرتقالية" للتمييز بينها وبين قوات الأممالمتحدة "ذات القبعات الزرقاء". وقد تم توقيع بروتوكول بشأن قوات "حفظ السلام" الدولية بين مصر وإسرائيل والولاياتالمتحدة في 3 أغسطس 1981، وهذه القوة تتشكل من 11 دولة وتضطلع الولاياتالمتحدة بمسئولية القيادة المدنية الدائمة لها، كما أن لها النصيب الأكبر منها بنسبة 40 في المائة من قوام هذه القوات.