وحماس التي تعبر يوماً بعد يوم عن نضج سياسي وعمق في الرؤية وتجذُر في نسيج الشعب الفلسطيني, تقف اليوم على أرض صلبة عميقة الجذور أكثر من أي وقت مضى, وتستطيع أن تفاخر حماس بصوابية رؤيتها السياسية وانتصار منهجها الذي يتقدم اليوم بفضل ثلة من الشهداء مطهرة وتاريخ من التضحية والعطاء ناصع. نعم قدمت حماس ثمناً باهظاً من خيرة القادة لتستحق بجدارة الثقة الكبيرة من شعب يرقب ويلحظ ويميز. صورة مشرقة رائعة تلك التي أضاءت سماء الديمقراطية الفلسطينية ونموذج متميز للانتخابات التشريعية حبذا أن يُقتدى به في العالم العربي. اقتراع هادئ, إقبال رائع، يعبر عن وعي ونضج سياسي عز نظيره, غياب مظاهر الفلتان الأمني المزعوم, وضوح في الرؤية, انتماء للوطن والشهداء, رقي حضاري, حرية كاملة في التعبير ومنافسة شريفة راقية. أكثر من طرف ساهموا في هذه الصورة المشرقة وعلى رأسهم الأخ الرئيس أبو مازن صاحب الرؤية الديمقراطية المتفتحة والعقل الكبير الذي يتسع لكل ألوان الطيف الفلسطيني. كيف لا وهو الذي يقف على رأس الهرم الفلسطيني رئيساً للجميع وأباً للجميع. وكذلك الفصائل الفلسطينية وخاصة فتح التي ذهبت إلى عرس الديمقراطية رغم جراحها الداخلية والتي شفاءها شفاءً للشعب وتقدماً له ولعل نتائج الانتخابات تمنح فتح فرصة استئصال ما خبُث ورمه واستعصى شفاؤه ومداواة ما أمكن فعافية فتح جزء من عافية شعب يواصل مسيرة لم تنته في 25 يناير. وحماس التي تعبر يوماً بعد يوم عن نضج سياسي وعمق في الرؤية وتجذُر في نسيج الشعب الفلسطيني, تقف اليوم على أرض صلبة عميقة الجذور أكثر من أي وقت مضى, و تستطيع أن تفاخر حماس بصوابية رؤيتها السياسية وانتصار منهجها الذي يتقدم اليوم بفضل ثلة من الشهداء مطهرة وتاريخ من التضحية والعطاء ناصع. نعم قدمت حماس ثمناً باهظاً من خيرة القادة لتستحق بجدارة الثقة الكبيرة من شعب يرقب ويلحظ ويميز. إن فلسطين اليوم صوتت واختارت الدماء الشابةالجديدة التي تتمسك بالثوابت الوطنية وانحازت للشهداء والأسرى واللاجئين ولسلاح المقاومة في مواجهة احتلال استيطاني غير مسبوق في التاريخ. نعم ستنحسر الوجوه القديمة التي هيمنت علي العمل السياسي الفلسطيني. نعم قد بدأ عهد شرق أوسط جديد لا يروج له بوش اللئيم ولا يحمل عناوينه بيرس الماكر الذي عبر عن استعداده للجلوس على طاولة المفاوضات إلى جانب أي مسئول ينتخبه الشعب الفلسطيني حتى ولو كان من حركة حماس, بشرط أن تتخلّي الحركة عن سلاحها. نعم قد أسدل الليل ستاره على عرس ديمقراطي فلسطيني مشرق, نعم إنه يوم تاريخي مشهود انتصرت فيه فلسطين لحريتها وخيارها وشهدائها لتواصل فلسطين رحلتها الشاقة لإقامة الدولة المستقلة. وأفاق المجموع الفلسطيني على نتائج الفوز المستحق لحماس, وهنا على حماس أن تسعى إلى طمأنة الجميع في الخارج وخاصة أوروبا. وعلى خط موازي على الصعيد الداخلي, أن تتحمل حماس المسئولية مع فتح, وألا تشعر أحد أنها بديل أو أنها بداية جديدة لمرحلة جديدة سيقف فيها الآخرين على قارعة العمل السياسي. وهنا أُكد على ضرورة حرص حماس على تشكيل حكومة من خارج التشريعي (تكنوقراط) ويتفق عليها الجميع وخاصة فتح وحماس كحكومة وحدة وطنية, وهذا سيخرج حماس من مأزق الاقتراب من الخطر السياسي في العلاقة المباشرة مع إسرائيل, وفي ذات الوقت لن يحرمها القدرة على التأثير على مجريات الأمور ولن تصل الأمور إلى حال الشلل السياسي بأن تكون القوة الأكبر في التشريعي دون أن تشكل الحكومة. وعلى الصعيد الاقتصادي, على حماس أن تعمل مع جميع أطراف العمل الاقتصادي سواء على مستوى الدول المانحة ورجال الأعمال، والمستثمرين في الداخل والخارج، والنخب المثقفة، والنصارى من خلال حوارات متواصلة حول كل القضايا الاقتصادية والمعيشية التي تعزز صمود الشعب الفلسطيني. وأن يكون لحماس نشاط قوي في إنهاء الفساد والفوضى بكل صورها من فلتان أمني وفوضى سلاح وفساد أخلاقي ومالي وإداري, بل حتى الفساد التعليمي والتربوي الذي يهدد مستقبل أجيال فلسطين. مثلما نتوقع مرحلة جديدة من المحاسبة والرقابة، وقيام سلطة المؤسسات. والعمل على تخفيف الأعباء عن الشعب بمحاربة الفقر، وعلاج البطالة، وتبني كافة القضايا المعيشية التي يحلم بها المواطن العادي. و استنفار طاقة المجتمع لصالح المشروع الإسلامي الواسع، وتحفيز الجهود الذاتية لتنمية محلية مستقلة، وابتكار وسائل جديدة للتواصل مع الشعب، والسعي إلى تأطير كل المحبين الراغبين في العمل مع حماس. مع ضرورة إرساء قيم العمل والإنتاج والعدل والشورى والمحافظة على الوقت وإتقان العمل، كقيم إسلامية تعكس الالتزام الإسلامي. ويمكن على صعيد آخر تصحيح الفهم للمنهج الإسلامي الذي لا يفصل بين العبادات والمعاملات. مع الحرص على استنفار كافة طاقات الشعب الفلسطيني من العلماء والمفكرين في جو من حرية البحث والتجديد وإحياء الاجتهاد الجماعي لبحث كل الملفات الشائكة التي تتعلق بإدارة المجتمع. وهذا بحاجة إلى مصالحة عامة بين الالتزام الإسلامي القوي الذي يمارسه أبناء الحركة الإسلامية وبين العاطفة الإسلامية الجارفة التي يصعب على أفرادها التحول إلى الالتزام القوي داخل صفوف الحركة. وهذا يحتاج إلى ابتكار وسائل جديدة للاستيعاب والتأطير في دوائر قريبة من حماس. بمعنى آخر تحتاج حماس بجانب الدعوة النخبوية إلى الانطلاق نحو الأعمال الجماهيرية مع ضرورة إحياء الدعوة العامة، وبجانب التربية والتكوين داخل الحركة إلى ابتكار التربية الجماهيرية للمجاميع العامة. ولعل تجربة العمل الحماسي الجماهيري خلال الانتفاضتين يضيف إلى حماس الكثير. باختصار حماس تحتاج إلى التعاطي مع المتغيرات الجديدة وإيجاد طرق العمل المبتكرة والخروج من مرحلة النخبوية إلى الفضاء الواسع. حماس ليست حركة معزولة كما يتمنى أو يرجو البعض, بل حركة الجماهير الفلسطينية التي قالت نعم لحماس. كاتب وأكاديمي فلسطيني المصدر : العصر