(تصدق يا مولانا بيكفروك؟!.....بيكفروني أنا!؟..دا أنا باكفر العصافير!!) ، كان هذا جزء من حديث جري في ثمانينات القرن الماضي بين إثنين من معتنقي فكر التكفير،والذي ترعرع ونما بصورة كبيرة خلال هذا الوقت، نتيجة قلة العلم الشرعي بين شباب متحمس، لم يجد من يتدرج به في تلقي العلم بل أخذه من كراسات وبلابيع الجهلاء، فانطلق يكفر بالمعصية ،وبالشبهة ، وبالهوى، فاستحل الحرمات، وأزهق الأنفس، وانتهك الأعراض، فأفسد من حيث أراد الإصلاح، وشوه من حيث أراد الترميم، وقد كان هذا الفكر في ذلك الوقت فرديا أحيانا، أو جماعيا بصورة ضيقة محدودة، وكان خير مثال له جماعة المسلمين والتي عرفت إعلاميا بالتكفير والهجرة وجماعة الشوقيون، فلذا اندحر وانزوي وقتها سريعا، لكنه عاد هذه الأيام بصورة كبيرة، وبصورة أشرس وأشد، مدجج بأحدث أنواع الاسلحة، وأشد وسائل الإعلام وأوسعها انتشارا، بل وفرض نفسه علي الأرض بالسيطرة علي مساحات واسعة من الأرض، وانتشر انتشارا كبيرا في عدد من الدول، فمن العراق إلي سوريا إلي ليبيا، ويحاول أن يجد له موطئ قدم في مصر، ونقصد به تنظيم داعش وهو اختصار الدولة الإسلامية في العراق والشام، ثم اختصروها إلي تنظيم الدولة فقط، وتقوم عقيدته علي تكفير المخالفين له، بأسباب حقيقية، أو واهية، فالجيوش والشرطة في كل البلاد الإسلامية كفار ومرتدون،والرؤساء والوزراء مثلهم، وعامة الشعوب كفار مرتدون لانهم راضون عن حكم المرتدين،ولأنهم يدلون بأصواتهم في الإنتخابات القائمة علي الديمقراطية الكافرة، وحتى من لم يبايع أبا بكر البغدادي الخليفة المزعوم فهو كافر، فالتكفير عندهم هرمي، يبدأ من أعلي وهم الحكام، ثم يظل يتدرج حتى يصل إلي رجل الشارع إستنادا إلي قاعدة (من لم يكفر الكافر فهو كافر)، وهي قاعدة صحيحة تنطبق علي الكافر الإصلي الذي لم يدخل في الإسلام أصلا وليس الكافر الإفتراضي والمزعوم برأيهم وفقههم،حتى ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وآتي الزكاة وصام رمضان وحج البيت، فكل هذا في نظرهم لا يقنعهم، بل لابد من مبايعة البغدادي، والإنخراط تحت دولته، بالهجرة إليها أو مبايعتها بطريقة ما، وفهم داعش للإسلام فهم سقيم،لا يقوم علي علم شرعي راسخ بل يتبني كما قلنا فكر وعقيدة الخوارج، الذين قال إمامهم ذو الخويصره لرسول الله صلي الله عليه وسلم ((إعدل)، فقال صلي الله عليه وسلم (ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل) ،ثم قال صلي الله عليه وسلم يتنبأ بما سيحدث (ليخرجن من ضأضئ- أي من صلب- هذا قوم تحقر صلاة أحدكم إلي صلاته..يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل عاد وثمود، فإذا أدركتموه فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا)، فتحققت نبوأته صلي الله عليه وسلم ، فظهروا في أثناء الفتنة بين علي ومعاويه، وكفروا علي لأنه قبل التحكيم، ثم قاتلوه وقتلوه بعد ذلك ، وتغنوا بقاتله، عبد الرحمن بن ملجم، وقتلوا الصحابي عبد الله بن خباب وبقروا بطن زوجته الحامل، ثم عاثوا في الأرض فسادا ،وانقسموا شيعأ وفرقا، يكفر بعضها بعضا، ويلعن بعضها بعضا، وطغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب المتمثل في تكفيرهم وقتلهم وقتالهم لبعضهم ولغيرهم، وهذا السرد التاريخي لجذور نشأتهم لنفهم أنه ليس كل من رفع راية الإسلام وادعي التقوى، حتى وإن صام وصلي وأطلق لحيته، هو علي الحق، بل لابد أن توزن عقيدته وتصرفاته بميزان الشرع، ونري مطابقتها لكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم،وهو ما سنحاول توضيحه في المقال القادم إن كان في العمر بقيه. باحث إسلامي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.