لا يمكن أن يكون هناك إجماع على الثورة .. فهناك من يرى أنها بدأت بالثورة وانتهت بالفوضى وهناك من يعتقد أن الثورة ستعود بنا للوراء عشرات السنين بدلا من التقدم للأمام .. والبعض يتهم الحركات الثورية التى قامت بالثورة بالعمالة والخيانة وتلقى الأموال من الخارج. وهى وجهات نظر يجب التعامل معها باحترام وفى إطار حوار عقلانى لخدمة الوطن وتصحيح المسار ورسم معالم الطريق فى إطار ديمقراطى سليم. ولكن أن يتحول الهجوم على الثورة ورموزها وقادتها إلى نوع من التشويه والتجريح والاستهزاء، فى البرامج التليفزيونية الفضائية فإن هذا يمثل سلوكًا غير مقبول ونوعًا من الاعتداء على حقوق وكرامة الأفراد يجب مواجهته بكل حزم ونبذ الذين يقومون به أو يحرضون عليه أو حتى يصفقون له. والإعلامى توفيق عكاشة صاحب قناة الفراعين وصاحب النوادر والسقطات التليفزيونية المتكررة لا يترك مناسبة إلا ووجه فيها سهام النقد والاتهامات من كل نوع وعلى أى مستوى للدكتور محمد البرادعى الحائز على جائزة نوبل للسلام والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية. وعكاشة فى اتهاماته المتكررة للبرادعى والتى تركز على أنه لا ينتمى للثقافة المصرية نظرا لإقامته الطويلة فى الخارج قال إنه سينتخب البرادعى رئيسًا لو أنه يعرف كم عودًا فى حزمة الجرجير أو لو كان بيعرف يزغط البط. واعتقد عكاشة أنه بذلك قد أصاب الهدف ووضع البرادعى فى موقف حرج أمام الرأى العام والبسطاء وكشفه على حقيقته فى أنه خواجة يريد أن يكون رئيسًا لمصر. ولكن لحظة الانتقام حانت للبرادعى عندما سأله مجدى الجلاد فى حوار تليفزيونى معه حول ما يقال من أنه ليس مصريًا أصيلا، فرد بالقول إنه لا يعرف فعلا كيف يزغط البط ولكن مصر تحتاج إلى أشياء أخرى أهم وأقيم من تعلم تزغيط البط، ولكننى لا أجد حرجًا إذا تطوع أحد وعلمنى التزغيط. والواقع أن إجابة البرادعى المقنعة كانت درسًا واقعيًا لهؤلاء الذين يريدون تسطيح فكر الرأى العام وإشغاله بقضايا من هذا النوع فى الوقت الذى تحتاج فيه مصر إلى العمل كما يقول البرادعى. ولا نعرف أيضا ما إذا كان تزغيط البط ومعرفة عدد أعواد حزمة الجرجير من شروط الترشح للرئاسة، كما لا نعرف أن هناك شروطًا أخرى تحرم على المرشح للرئاسة أن يكون من ساكنى الفيلات مثلا ..!! إن هذا الأسلوب فى إبعاد العناصر الوطنية عن الساحة السياسية خوفًا من التشويه والتجريح سيعنى أن الساحة ستتحول إلى سيرك لمحترفى القفز وهواة التسلق فوق أكتاف المنسحبين والمتراجعين. لقد لجأ النظام السابق إلى أسلوب البطش والتهديد والإيذاء لقمع وتحجيم معارضيه، ونخشى أن نشهد فى المرحلة الحالية أسلوبًا آخر للقمع والإرهاب بالاغتيال الأدبى والمعنوى لكل من يختلف معنا فى الرأى والتوجه فهذا سيكون أكثر قسوة وإيلامًا وتدميرًا للمجتمع كله .. ولن ينفعنا الذين يزغطون البط أو الذين يأكلون له، أو حتى من يروجون له عبر أبواقهم الخاصة.