●● بدأت الاستعداد للمباراة قبل أيام.. جاء الموعد.. جلست أمام الشاشة وأخذت ترتب أوراقك، وتذيب السكر فى كوب الشاى، أو قمت بالبحث عن معلقك المفضل.. وأثناء تلك العملية الروتينية التى تمارسها غالبا فى كل مباراة، ضاع منك هدف ريال مدريد الذى سجله كريم بنزيمة.. لحسن الحظ أننا فى زمن «الإعادة» كل شىء يمكن إعادته.. إنه أسرع هدف فى تاريخ الكلاسيكو.. (أسرع هدف فى تاريخ الدورى الإسبانى مسجل باسم خوسيبا لورنتى لبلد الوليد بعد 8 ثوان فى مرمى إسبانيول عام 2008).. المهم أنك حدثت نفسك، يبدو أن توقعات الخبراء والصحف صحيحة، فهم يتوقعون فوز ريال مدريد، وقد يكون ذلك اليوم، هو يوم الثأر للخسارة أمام برشلونة 2/6 عام 2009، أو صفر/5 الشهيرة والأخيرة فى شتاء 2010.. أم ربما يحقق ريال مدريد فوزا ثأريا كبيرا وعظيما يستعيد به ذاكرة الفوز الرهيب الذى حققه عام 1943 حين هزم برشلونة 11/1 (أحد عشر مقابل هدف واحد). ●● هذا تفكير تقليدى، أو هو غياب للخيال، وكرة القدم لعبة قامت على فكرة أن نتائجها تفوق أى خيال، فمن كان يتخيل مثلا أن تفوز الجابون على المغرب.. إن الاعتقاد بفوز ريال مدريد يساوى هذا الظن الساذج فى عدالة كرة القدم، ولو كانت لعبة عادلة لما عاشت كل هذا العمر، ولما ظلت شابة فيما يشيخ كل ما حولها.. فمازال برشلونة يدير العرض بمنتهى الاستبداد؟ ●● قرأت قبل المباراة عشرات المقالات والتحليلات، وتوقع الأغلبية فوز ريال مدريد الذى حقق 15 انتصارا متتاليا، أو لعب 18 مباراة وخسر واحدة فقط، وتوقع الأغلبية أن الأسلوب الهجومى الذى أصبح يلعب به الفريق الملكى سيكون قاتلا لمهاجمى البلوجرانا.. وقالت الجارديان البريطانية: «خوسيه مورينيو يحصل على فرصة لتوجيه ضربة موجعة لبرشلونة فى مواجهتهم مع ريال مدريد..» رجل واحد لم يصدق كتابات المنجمين، وهو مورينيو نفسه، حيث قال: لا أعترف بتلك الإحصائيات.. وكان صادقا؟ ●● يؤدى ريال مدريد مبارياته بقوة وهدوء إلا فى مباراته مع برشلونة، وهذا بسبب مورينيو الحانق والغاضب والمثير وبسبب تفوق جوارديولا الذى أصبح يلقب بدراكيولا مصاص دماء ريال مدريد.. فهو لم يخسر باستاد برنابيو منذ 7 مايو 2008.. وعلى الرغم من الهدف المبكر ومن تلك البداية الرائعة كانت النهاية مفزعة فى الكلاسيكو الأخير. فإن الفريق الملكى يخرج عن وقاره ويفقد ثقته أمام برشلونة، فيلعب بعصبية وبكثير من الغل والتوتر فتضيع منه السيطرة. وقد ضاعت بفرحة الهدف المبكر، وبهدوء وثقة لاعبى برشلونة إنهم من سلاسة اعتادت الهيمنة، وقادرة على فرض هيمنتها، بالتدريب والانضباط والسرعة، إنهم مثل راقصى فرقة بالية البولشوى الروسية، فلايضاهيها فرقة بالية أخرى.. وجمهورهم لم يعد يكفيه الفوز ولكنه يريد الانتصار الجميل الذى يشع بالمهارة والفن والإبداع. ●● وكان جوراديولا مثل المايسترو فى تلك المباراة، لن أتوقف كثيرا عند اتهام مورينيو للحظ، وللحكم الذى كان يجب عليه طرد ميسى، وانظروا كيف عاد برشلونة بعد 30 دقيقة تقدم فيها الريال بهدف وباللعب..؟ ●● لقد ضغط ريال مدريد وضيق المساحات فى الفترة الأولى، لكن الضغط لم يستمر، وهو ما سمح لبرشلونة ببناء هجماته المعتادة من الخلف.. كما أنه بعد هدف بنزيمة، قام جوارديولا بلعبة شطرنج، حرك دانى ألفيش إلى المقدمة اليمنى، ولزيادة قدرة الفريق الهجومية، وجعل بويول يراقب ورنالدو، وعوض هذا التحرك بدفع بوسكتس للأمام قليلا للمساهمة فى بناء الهجوم من الخلف، وفى الوقت ذاته لعب بإنيستا فى الجهة اليسرى خلف أنخيل دى ماريا، ووضع ميسى فى القلب، وليس فى الجيهة اليمنى مفسحا الطريق لتشافى وألفيش فى تلك الناحية. ●● أجرى مورينيو بعض التعديلات حين بدأ اللقاء بمسعود أوزيل خلف بنزيمة ورونالدو.. وأوزيل لاعب يتقن التحرك فى المساحات، ومع برشلونة تضيق المساحات حين يفقد الفريق الكرة، كما أن الدفع بكاكا تأخر كثيرا، وهو كان قادرا على مساعدة رونالدو وبنزيمة فى الوصول لمرمى فالديز.. فيما لم ينجح ألونزو فى إملاء الإيقاع على وسط برشلونة.. أو تحديدا على الثلاثى ميسى وإنيستا وفابريجاس الذين ساندوا رأس الحربة الذى لا يهدأ سانشيز.. فى المقابل تحكم برشلونة فى إيقاع المباراة، كان يحدد متى يسرع ومتى يبطئ بالتمرير وبتبادل الكرة بمهارة وثقة، وبإفلات مستمر من الرقابة، فالقضية هنا ليست هل تستطيع أن تجرى.. وإنما كيف يمكنك أن تفلت؟ ●● يبقى أنه بجانب أسلوب تيكى تاكا الذى يقوم على تبادل الكرة وجعلها تجرى، هناك فى أداء لاعبى برشلونة سر آخر وهو تلك اللمسة الأخيرة فى اللحظة التى يظن فيها الخصم أنه فاز بالجزرة، ففى تلك اللمسة تدفع الكرة إلى زميل، بمنتهى السلاسة والسهولة، فيبدو لنا أن الصعب سهل للغاية وممكن، وعذرا للتشبيه التالى، فلاعبو برشلونة مثل مصارعى الثيران، يلوحون بأقدامهم كما يلوح المصارعون بالمحارم الحمراء، وقد جعلوا بساط سانتياجو برنابيو مثل «حلبة لا مونيومنتال» فى كاتالونيا التى شهدت نهاية هذا النوع من المصارعة فى الإقليم فى سبتمبر من العام الماضى، ليحتفل أصحاب القلب الإنسانى بآخر أيام القتل بعد الظهر.