هل طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي، من إعلامه الثناء عليه آناء الليل وأطراف النهار؟! هل تطلب أجهزته الأمنية، من الإعلاميين والصحفيين الموالين، أن يضفوا عليه قداسة، تنزله منزلة المعصوم.. الذي لا يخطئ أبدًا.. وتأديب كل من يرفض الانتظام في "القطيع" والعزف منفردًا بعيدًا عن تلاوة آيات التبتل في صاحب الفخامة؟! وإذا كان الرئيس السيسي صاحب إنجازات ومعجزات اقتصادية وسياسية، فلِم لا نترك لتلك المعجزات مهمة الدفاع عن صاحبها.. فالإنجاز يفرض نفسه، ولا يحتاج إلى استئجار من يدافع عنه. ولِم نخلط ما بين الجيش والرئيس من جهة، وبين الدولة والرئيس من جهة أخرى؟! فالرئيس ليس هو الجيش وليس هو الدولة: فاصطفافنا خلف الجيش، لا يعني بالضرورة اصطفافنا خلف السيسي.. فالجيش كمؤسسة يحظى بإجماع وطني، والسيسي عليه انقسام وطني.. وهو قيادة سياسية تخضع للنقد والرقابة والعزل وفق الدستور.. والرئيس ليس هو الدولة، ونقده ومعارضته لا تعني أنها ضد الدولة، ومحاولة الخلط بين الرئيس والجيش والدولة، ممارسة "مفقوسة"، لا غرض منها إلا التزلف الرخيص للقيادة السياسية، وإرهاب كل صاحب كلمة نقد لانحرافات السلطة، وقمع كل صوت معارض للسلطة في نسختها القمعية. منطق "أنا الجيش".. أو "أنا الدولة".. هو من مخلفات عصور الظلامية السياسية، وهي أداة العجزة والمكسحين وتنابلة السلطان، وكل من يرغب في أن يرفل في دفء السلطة وعطاياها، ولو على حساب البلد وأمنه واستقراره. على الفضائيات الآن تنتشر كائنات حية، تتعايش وتقتات من افتراس أعراض وسمعة كل من يكتب كلمة نقد للرئيس أو لنظامه السياسي.. وتجعل من مدح الرئيس "وطنية" ومن نقده "خيانة".. بل جعلوا من السيسي معيارًا مطلقًا للفرز الوطني والديني والأيديولوجي.. فمؤيدوه على الهدى ومن أهل الجنة، وفي مرتبة من شهد بدر.. ومعارضوه على ضلالة وسيحشرون مع فرعون وهامان وأبي بن خلف. يوجد بالتأكيد ملايين من المصريين يؤيدون السيسي، وكذلك يوجد ملايين المصريين يعارضونه.. وهو واقع طبيعي يوجد في أي دولة طبيعية.. وهؤلاء جميعًا مؤيدين ومعارضين وطنيون.. ومن حق المعارضة أن تصل إلى السلطة، وليس من وظيفتها مساعدة النظام على النجاح، بل تتصيد أخطاءه وتكشف عوراته.. وتقدم نفسها بديلاً عنه.. هذا هو الطبيعي.. فليس مطلوبًا من المعارضة أن تهلل لرئيس الدولة وتطبطب عليه، وتسانده.. فهي والحال كذلك لن تكون معارضة بل شوية "هتيفة" أو "سنيدة".. أو صندوق مكياج في حقيبة يد النظام، يستخدمه لإخفاء ما يستقبحه العالم الحر من ممارسات. وما يبعث على التفاؤل، أن مصر من الداخل، تختلف عما يقدمه عنها هذا الإعلام الظلامي والمتخلف للعالم.. لأن الطليعة التي صنعت ثورة يناير، سريعًا ما انفصلت عن هذا المشهد المخزي، وعقمت ضميرها الوطني من هذا الروث والتلوث، وتراهن على الوقت.. فدولة الظلم ساعة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.