سمعت إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو يحذر من أن مصر، معرضة للتهديد وللمؤامرات، ثم يناشد المصريين ضرورة "التوحد" على قلب رجل واحد، خلف القيادة السياسية!! وأنا حتى الآن لا أفهم معنى "التوحد" خلف "القيادة السياسية".. فلا يوجد شعب في العالم المتحضر والمتمدين، يقف صفًا واحدًا خلف "قيادته السياسية".. والأخيرة هي تعبير عن "الرئيس القائد". والرؤساء في الدول الديمقراطية، يفوزون في الانتخابات على منافسيهم على "الحركرك": 2% ، ½%.. وهي نسب تؤكد على سبيل القطع بأن الشعب ليس موحدا خلف الرئيس "المنتخب". فمن أين تُستقى "بدعة" التوحد خلف القيادة السياسية؟! ما فهمته من هذا الطلب.. أنه دعوة إلى "إلغاء" المعارضة.. يعني: لا نريد معارضة، بل نريد الاصطفاف كالمصلين خلف الإمام.. بل إن في الأخير، فإنه من الواجب على المأموم أن يرد الإمام مصححًا، حال أخطأ في التلاوة.. أما مع "الرئيس" وكما فهمت من الطلب فإنه من الواجب الوطني، أن نصطف خلفه، ولا نعقب على قول أو عمل.. لأن البلد "مستهدف"! تواتر الطلب للتوحد على " قلب رجل واحد" كما ورد نصًا على لسان الرئيس قد يحيل إلى التوجس من الدعاية الرسمية والإعلامية ل"التهديد" الذي يتعرض له البلد.. إذ ما يمنع الاعتقاد بأنها "فزاعات" تصدرها الحكومة للرأي العام، لتخويفه وحثه على الارتماء في حضن السلطة "حامية" الديار من "المؤامرات".. وتؤجل أي نقد للنظام، وتسكت على أدائه حتى لو كان سيئًا، وعلى انتهاكاته حقوق الإنسان، باعتبار أن درء مفسدة "المؤامرات" مقدم على جلب منفعة الحريات ودولة القانون والعدالة.. وربما أيضًا السكوت على الفساد والقبول بالتجويع والفقر والمرض، وسوء التعليم والخدمات.. بوصفها ليس لها الأولوية على حماية البلد من المؤامرات. أفهم أن يصطف الشعب خلف جيشه الوطني، في مواجهته الجريمة والإرهاب، ولكن لا أفهم معنى أن يصطف الشعب على قلب رجل واحد خلف الرئيس.. وهل المطلوب أن يحصل الرئيس على شيك "الاصطفاف" خلفه على بياض، ودون أي ضمانات، تتعلق باحترامه القانون والدستور، وعدم إساءة استخدام سلطته وكف أذى أجهزة الخوف عن الناس، وانتهاكها حرماتهم وأموالهم وأعراضهم؟! الاصطفاف خلف القيادة السياسية، والوقوف على قلب رجل واحد، خلف "الرئيس القائد"، وتحت أي ظروف، هي من مخلفات الديكتاتوريات القديمة، والتي تجاوزتها تطورات اللحظة التاريخية المفارقة لزمن "الاصطفاف" في طبعته الظلامية.. وللوعي الجديد الذي صنعته أجواء التنوير السياسي في عصر الإنترنت والسماوات المفتوحة، ومواقع التواصل الاجتماعي التي تشهد كل ساعة تطورًا جديدًا في طرق التواصل.. والتي تستعصي على الردة إلى ماضي الإنسانية الكئيب. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.