بحكم الإلف والتعود، لا يلتفت البعض إلى القوانين التي تحكم حركة التاريخ والمجتمعات.. سقوط مبارك، ومرسي، سبقهما "غياب اليقين" والقلق من المستقبل "القريب".. وكان السؤال المشترك في نهايات حكمهما: هي البلد رايحة على فين؟! عندما تواجه بشكل لافت حضور هذا السؤال في النقاش العام العفوي والبسيط البعيد عن ثرثرة النخبة.. فاعلم أن في "الغيب السياسي" مفاجآت يدخرها للناس.. وأن هذه المفاجآت، لن تقطع زمانًا طويلًا حتى نراها رأي العين "إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبًا". أعلم أن قطاعًا ليس بالقليل، متفائل إلى حد كبير، بوجود الرئيس عبد الفتاح السيسي في الحكم.. والمشكلة أنه ليس بوسع أحد أن يعرف مسوغات هذا التفاؤل، وما إذا كان يستند إلى أسباب تتسق ومنطق الأشياء.. أم من قبيل "الأمل".. أو لتغييب مشاعر القلق من سياسات هشة، يخشى الإفاقة منها على "كابوس" عودة الجماعة إلى الحكم. سؤال المستقبل وغياب اليقين والبلد رايحة على فين.. عاد بقوة في الفضاء العام ومجالس النخبة.. بل إن بعضهم إذا سألته: البلد رايحة على فين؟!.. أجاب بلا تردد: ما هي راحت خلاص!!.. وهي إجابة لم نكن نسمعها في عهدي مبارك ومرسي، ما يعكس شطط المشاعر السلبية، بشأن الثقة في قدرة نظام السيسي على البقاء.. أو على الأقل الحفاظ على وحدة المصريين. عندما قالت ال"نيويورك تايمز" إن عهد السيسي، فاق أكثر فترات حكم مبارك ظلامية، غضب المثقفون المؤيدون له، ولم يبحث واحد منهم، في الأسباب التي جعلت افتتاحية أخطر صحيفة أمريكية تصطفي هذا التعبير تحديدا "ظلامية". وهذه المفردة، تمثل مفتاح فهم الانطباعات عن السيسي التي تشكلت خلال أكثر من عام منذ الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب، فهي تحيلنا بالتبعية إلى سؤال آخر كاشف وما إذا كان هذا هو انطباع ال"نيويورك تايمز" وحدها.. أم أن في مصر انطباعا مشابها ومطابقا وأن بها قطاعا من الشعب يشعر بقسوة النظام ووحشيته؟! والظلامية هنا لا تتحدث عن "القسوة".. فالأخيرة نسبية، ولكن تشير إلى منظومة الإجراءات والقوانين القمعية ودفن البلد داخل أقبية دولة الرعب والخوف.. بشكل لم يجرؤ عليه رجال دولة يتصفون بالعقل والحكمة. عندما يرى العالم أنه يجرى في مصر خطوات جادة لإخلائها عنوة من كل معارض للنظام.. وتحويلها إلى منطقة جغرافية لا يسكنها إلا المؤيدون للسيسي.. فإن ال"نيويورك تايمز" لن تجد مشقة كبيرة في توصيف ما يجري بأنه "ظلامية" ولا تعاتب في ذلك أيضا.. فالكرة في ملعب النظام وبالتحديد في ملعب الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه، وعليه أن ينصت جيدا للنقد قبل المدح.. ولا أدري ما إذا كان على مكتبه خريطة بالمخاطر المحدقة بمستقبله السياسي، والتي ورطه فيها ظهيره الإعلامي والقانوني (التشريعي) والأمني؟!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.