في "رابعة" لا نسمع إلا صوت المنصة، في مشهد ينقل انطباعًا للحشود بداخل الميدان، وللمراقبين خارجه، بأن بيدها وحدها تقرير مستقبل الأزمة.. أو على الأقل يطرح سؤالًا بشأن هوية القيادة الحقيقية، سواء السياسية أو الميدانية.. وما إذا كان العقل الإخواني يعمل مستقلًا عن التنظيم الدولي، أم أن الأخير الذي يتولى د. محمد بديع منصب مرشده العام يعتبر المرجعية التي تعتمد عليها الجماعة، في طلب المشورة، وهو الخلط الذي يمكن أن يجعل مصالح الإخوان في الدول العربية، حاضرة في حسابات "المفاوض" الإخواني المصري في "رابعة العدوية"، ما يعقد الأزمة، ويضفي مزيدًا من الضبابية والهلامية والفوضى في تحديد ملامح الجهة التي تفاوض باسم الجماعة، مع السلطات المصرية حاليًا. والحال أن رفع سقف مطالب الإخوان، والتشدد بشأنها، والتي تجعل من عودة مرسي إلى الحكم، وعودة العمل بالدستور المجمد، وعودة مجلس الشورى المنحل.. مدخلًا للموافقة المبدئية للحوار.. يعتبر في فحواه الحقيقي رفضًا للحوار أصلًا: فإذا وافقت النخبة الحاكمة الآن، على كل هذه المطالب، فعلام سيتم التفاوض إذن؟! بعدما حصلت الجماعة على كل شيء، وعادت الأمور بتفاصيلها، إلى ما قبل 3 يوليو؟! هذه المدونة الإخوانية للحوار، تفتقد المنطق، وتفتقد الحس السياسي، وإدراك الشروط الموضوعية على الأرض.. ما يعني أن "العقل" الذي يدير الأزمة باسمها إما "مغيب" وهذا ما استبعده، وإما طرف "إخواني" آخر.. يعيش خارج البلاد، وليس مطلعًا بشكل كافٍ على التحولات السياسية الكبيرة التي حدثت بعد 30 يونيه، وهي المقاربة التي ربما تعزز من صدقية الأخبار المتواترة بشأن ضلوع التنظيم الدولي في صناعة الأزمة وتعقيدها. في الجانب الآخر، أيضًا، تتعدد السلطات، على النحو الذي يضفي قدرًا كبيرًا من الشوشرة و"اللغبطة".. ولا ندري من يفاوض الإخوان في السلطة؟! المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الزميل، يتحدث عادة عن انطباعاته الشخصية.. وليس عن الرئيس المؤقت.. فيما يظهر الجيش أحيانًا في قلب إدارة الأزمة، والذي كان طلب الفريق عبد الفتاح السيسي، من الشعب النزول إلى الشوارع لتفويضه لمواجهة الجماعة، أحد أبرز تجلياته.. ثم تظهر وزارة الداخلية كطرف آخر.. وفي غضون ذلك لا نسمع صوتًا للقيادة السياسية التي من المفترض أن تقدم "حلولًا سياسية" بعيدًا عن جنرالات الحرب. الحقيقة الوحيدة التي تثير القلق الآن، مع احتمال وقوع كارثة إنسانية قريبًا، حال ترك للأجهزة الخشنة، حل الأزمة وحدها.. هي أنه لا يعرف أحد على وجه اليقين أو التقريب: من يفاوض من في مصر حاليًا؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.