شعرت بالارتياح أمس بعد إعلان فوز الدكتور طارق الزمر برئاسة حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، وقد تمت الانتخابات الحزبية في أجواء من الشفافية الكاملة، وكان أول من هنأ الرئيس الجديد للحزب منافسوه الذين لم يوفقوا، وكلهم شخصيات لها احترامها وصدقيتها، مثل الدكتور صفوت عبد الغني عضو مجلس الشورى، والدكتور نصر عبد السلام الرئيس السابق للحزب، والدكتور أحمد الإسكندراني، كما أفرزت الانتخابات تشكيلاً جديدًا للهيئة العليا للحزب ضم شخصيات صاحبة خبرة حركية وسياسية وحقوقية متنوعة، كما لاحظت أن الهيئة ضمت عددًا من الكوادر الأساسية للجماعة، بل ومجلس شوراها، مما يعني حسم الجماعة لمستقبلها كمشروع سياسي في المقام الأول، والحقيقة أن مبعث ارتياحي أن الدكتور طارق يتميز بالاعتدال الشديد في موقفه السياسي وعقلانيته وإيمانه الحقيقي بالديمقراطية، وكل من جلس معه أو عرفه أو حاوره في فضائية أو صحيفة يدرك ذلك بوضوح، وكانت عبارة أفلتت منه في مظاهرة رابعة العدوية في جمعة "لا للعنف" فهمت خطأ، ووضعت في سياق الدعوة للعنف، ولكني كنت واثقًَا وقلت ذلك وقتها من أنها تعبير غاضب في لحظة التهاب مشاعر، وأنها لا تعبر أبدًا عن طريقته في التفكير أو اختياراته السياسية، وقد اعتذر عنها، وأزعم أن الزمر هو أكثر شخصيات الجماعة دعوة إلى المشاركة الوطنية واحترام التعددية والتواصل مع كل القوى الوطنية، ولذلك أعتقد وأتفاءل بأن تلك الروح ستحكم الحزب في المرحلة المقبلة، بعد أن تمر على خير زوابع الخطر الحالية، والتي أسأل الله أن تكون عواقبها خيرًا، وقد فوضنا الحكيم الخبير في أمر بلادنا أن يقضي لها بالخير ويختار، كيفما شاء وبما شاء، فقد حارت عقولنا في تلك الفتنة وفرغنا من حولنا وقوتنا لحوله وقوته وعلمه سبحانه وتعالى. حزب البناء والتنمية يمثل القوة الثالثة الأهم في الحالة الإسلامية، بعد الحرية والعدالة والنور، ويتميز بقوة الترابط التنظيمي والولاء للفكرة، ووجوده وفاعليته إضافة لحيوية التيار الإسلامي من جانب، وللتجربة الديمقراطية من جانب آخر، وبعض الأخطاء السياسية جعلته يبدو، وكأنه تحول إلى ذراع أخرى للإخوان، وهي فكرة ليست صحيحة أبدًا، فهناك خلافات سياسية ومنهجية كثيرة بين الطرفين، ولكن الإحساس بالخطر على مكتسبات الثورة وخوفهم من المجهول جعلهم ينحازون إلى جانب الإخوان في الأزمة السياسية الأخيرة، كما أن الخطاب الإقصائي من بعض نشطاء جبهة الإنقاذ من شأنه أن يعزز هذه المخاوف لدى البناء والتنمية، لأن بعض التصريحات التي صدرت توحي بأن الخصومة هي خصومة أيديولوجية وليست سياسية، تبدو فيها بعض قوى المعارضة وكأنها تعارض "التيار الإسلامي" وترفضه كفكرة وأيديولوجية، وليس كتيار سياسي تعارضه على خلفية أخطاء سياسية، وللأمانة فهو خطأ متبادل بين الطرفين، لأن هناك من التيار الإسلامي من يتحدث عن جبهة الإنقاذ والمعارضة بشكل عام كموقف أيديولوجي أو ديني، وليس كموقف سياسي، وهذه الأجواء هي التي وترت الأمور أكثر، وجعلت بعض الأطراف تتخندق في مواقعها بدافع الخوف والحذر من المآلات المجهولة والنوايا المقلقلة والروح الإقصائية لدى الطرف الآخر، وهذا ما أضر كثيرًا بالمسار الديمقراطي بعد الثورة، وهذه الألغام والمخاوف لا يمكن تفكيكها إلا بحوار مباشر وصريح بين أجنحة الحركة الوطنية والإسلامية المختلفة، ففكرة الإقصاء هي ضد الديمقراطية ابتداءً، وتوازن القوى السياسي بين الأحزاب المختلفة هو ضمانة أساسية لنجاح المشروع الديمقراطي ومنع التجبر والاستبداد، ومن تحالفه اليوم قد يكون خصمك السياسي الشرس غدًا، كما أن من تكرهه وتعارضه الآن قد يكون هو حليفك الأقوى في مرحلة أخرى، لأن التقديرات الحاكمة للمواقف السياسية تتغير بين لحظة وأخرى، وبين خطر وزواله، وبين ثقة وضياعها، وبين مصلحة وفواتها، فالموقف السياسي ليس وحيًا أو عقيدة، وإنما اجتهادات بشر طبيعتها التغير والتحول والتبدل أيضًا. ألف مبروك يا دكتور طارق، وأسأل الله أن يعينك، وإخوانك، على هذه الأمانة التي تسلمتها، وأنتم على أبواب تحدٍ خطير. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.