ربما يجد العالم إجابة على سؤال "القاعدة" بوصفها تطورا طبيعيا لاحقا على انتهاء الدور القتالي ل"المجاهيدن" العرب في افغانستان بعد هزيمة الإتحاد السوفيتي عسكريا عام 1989.. ثم هزيمته ايديولوجيا بانهيار جدار برلين في نفس العام. كانت افغانستان تمثل "الإسفنجة" التي امتصت طاقة الإسلاميين ونفست عن غضبهم وسخطهم على الجلادين في السجون والمعتقلات العربية.. بالتزامن مع "تقاطع المصالح" بين الطرفين، في سياق تحالف دولي قادته الإدارة الأمريكية ضد التوسع الأمريكي في أسيا الوسطى.. حيث كان "المربع الأفغاني" في مقدمة قاطرته "الانهاك العسكري" للروس.. فيما كان الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة الذي وضعه "ماكس مانوا رينج"، يعمل آلياته داخل منظومة الإتحاد السوفيتي والتي انتهت بتفكيكه بدون تدخل عسكري أمريكي مباشر. عاد المقاتلون المنتصرون من أفغانستان إلى بلادهم.. غير أن الانتصار لم يغسل من ذاكرتهم الجماعية سنوات السجون والزنازين والتعذيب والتنكيل بهم وبأسرهم.. وفي المقابل كان طبيعيا أن تُعيد الأجهزة الأمنية العربية حساباتها مجددا في كيفية التعاطي مع جيل من الإسلاميين عاد بخبرات قتالية عالية الاحتراف، وبدا في الأفق بأن المواجهة في الداخل كانت معلقة لأسباب إقليمية ودولية كانت تحتاج إلى جهود "الاستشهاديين" في افغانستان.. وبعد اختفاء الاتحاد السوفيتي بات الإسلاميون "عبئا أمنيا" و"عدوا محتملا" للجميع : أنظمة محلية، وقوى دولية حلت محل الروس في دعم الديكتاتوريات العربية. قد يعتقد البعض بأن الإسلاميين انتقلوا لمقاتلة الروس في أفغانستان، بسبب التحدي الشيوعي للعقيدة الإسلامية.. وهذا ربما كان سببا لا يمكن تجاهله.. ولكن ثمة سببا آخر جوهريا، لم يجر الإعلان عنه أو مناقشته: وهو أن الأنظمة العربية التي تأسست في منتصف القرن لماضي "الخمسينيات".. كانت تحاكي النظام الروسي: حزب واحد، وأجهزة أمنية دموية لا تتورع في ارتكاب جرائم ضد شعوبها.. وكان الإسلاميون ضحايا هذه الأنظمة، تحت غطاء سياسي وأيديولوجي ولوجستي من الإتحاد السوفيتي. بعد عام 1989، حل الأمريكيون والغرب عموما محل الاتحاد السوفيتي، كظهير دولي داعم للديكتاتوريات الفاسدة في العالمين العربي والإسلامي.. ناهيك عن الدعم غير المحدود للكيان الصهيوني، وتشكيل ما اعتبره الإسلاميون حزام أمني عربي إسرائيلي أمريكي.. لمكافحة المد الإسلامي الأصولي، في الشرق الأوسط. تنامي الحضور الإسلامي وفر غطاء دوليا للقمع داخل السجون العربية، والتحق ضباط الأجهزة الأمنية بمراكز تدريب أمريكية على مكافحة "الإرهاب الإسلامي" والتدريب على التعذيب وفنونه .. فيما تحولت عواصم عربية إلى محطات للتعذيب بالوكالة عن الاستخبارات الأمريكية، بوصفها عواصم لا يحكمها القانون وإنما همجية ضباط الشرطة الذين تحميهم الدولة من الملاحقات القضائية. يميل البعض إلى وضع الجماعات الإسلامية على تنوعها واختلافها، في سياق "مؤامرة أمريكية" خرجت من تحت عباءة نظرية البروفسير الأمريكي "ماكس مانوارينج" الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة وهو تفسير لا يمكن علميا استبعاده، فربما حاولت واشنطن إضافة الإسلاميين إلى مخزون أدواتها وخياراتها لتنفيذ نظريتها في العالم العربي، لزعزة الاستقرار ثم تحويل الدولة إلى "دولة هشة" ثم إلى "دولة فاشلة" وإلى مادة خام يمكن تشكيلها وفق ما يخدم المصالح الأمريكية. ذلك .. لأن انهيار الدول العربية، كان مسألة مؤجلة، والانهيار كان قادما بالإسلاميين أو بغيرهم.. فالتيار الإسلامي النضالي "المسلح المقاتل" لم يخرج من تحت عباءة النظريات الأمريكية كما هو سائد لدى قطاع من النخبة التي على خصومة مع الإسلاميين.. وإنما خرج من تحت عباءة الديكتاتوريات الفاسدة وأقبية سجونها ومقارها الأمنية الوحشية.. فيما كان انهيار الأنظمة، حتمية تاريخية محكومة بالسنن والقوانين الاجتماعية.. ولعلنا نتذكر بأن واشنطن ظلت متمسكة بالديكتاتور المصري حسني مبارك، إلى ما قبل الاطاحة به بيومين.. ما يعني بأن ثورة يناير كانت مفاجأة للإدارة الأمريكية، ولم تكن منتجا من داخل غرفها السرية في ال سي أي أيه.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.