يتوقف "ضجيج الحياة" فجأة في منزل عائلة السموني، لحظة انقطاع التيار الكهربائي ليلا، فيطلق الحكم صافرة نهاية مباراة كرة السلة التي يخوضها أطفال العائلة في باحة بيتهم، وتتردد أصوات تمتمات غاضبة من بعضهم قبل أن يتوجهوا ليخلدوا إلى النوم. تغلق الأم صنبور المياه في المطبخ بحدة تنبأ بغضبها فهي لم تكمل أعمالها المنزلية، ويطلق الجد العجوز زفيرا حادا، فهذه الليلة لن يتمكن من النوم بسهولة بسبب ارتفاع درجات الحرارة وعدم توفر أي وسيلة للتهوية. انتهاء أزمة الكهرباء، باتت أقصى أمنيات أفراد عائلة السموني، فقد قلبت الأزمة حياتهم رأسا على عقب، وجعلت حياتهم تسير وفقا جدول وصل وفصل التيار الكهربائي غير المنتظم. ولليوم التاسع على التوالي يعاني قطاع غزة، من توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل، بعد نفاد الوقود اللازم لتشغيلها. ويشعر رب العائلة حازم السموني، بحنق بالغ فانقطاع الكهرباء بشكل يومي، يضطره للسهر طوال الليل خشية من تسبب الشموع المستخدمة في الإنارة، بإشعال حريق في منزله، فهو يعيش في ظروف اقتصادية قاسية، لا تمكنه من شراء وسائل بديلة أكثر أمنا. ويقول السموني لمراسل الأناضول: "أزمة الكهرباء تضطرنا إلى ضبط حياتنا وفقا لمواعيد وصلها وفصلها فزوجتي تؤجل أعمالها المنزلية إلى حين عودة التيار، والأطفال الذي من المفترض أنهم ينعمون بإجازة صيفية لا يجدون ما يفعلوه سوى النوم إذا انقطعت الكهرباء، وكل ذلك يجعلنا نعيش في أجواء من التوتر وعدم الاستقرار". وأضاف بعد أن قطع حديثه للحظات ليبعد طفلته التي لم يتجاوز عمرها العامين، عن شمعة ذابت وكادت تسقط على يدها:" كل ما أخشاه أن تتسبب هذه الأزمة المتواصل منذ ثمانية أعوام، بهلاك أطفالي حرقا فظروفنا الاقتصادية سيئة للغاية، ولا نستطيع توفير وسائل إنارة بديلة أمنة ما يضطرنا إلى إشعال الشموع خلال ساعات انقطاع الكهرباء". ولقي العديد من الأشخاص مصرعهم في غزة، خلال الأعوام القليلة الماضية، معظمهم من الأطفال جراء نشوب الحرائق في المنازل، بسبب استخدام الشموع، كبديل للإنارة عن التيار الكهربائي. وكان آخر هذه الحوادث مقتل طفلين من عائلة الهبيل هما: خالد "4 سنوات"، وعمرو "3سنوات"، في يناير/كانون ثاني الماضي، بعد احتراق منزلهما في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة. وبعد أن أوصل والدته العجوز لغرفة نومها على ضوء شمعة خافت، تابع:"الحياة في غزة لم تعد تطاق، فثمانية أعوام مرت شهدنا خلالها ثلاثة حروب شرسة، وحصار إسرائيلي خانق تسبب في ارتفاع نسبتي الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية فلم نعد قادرين على توفير قوت أطفالنا، وها هي أزمة الكهرباء تكمل هذه المعاناة المتواصلة". وإلى جوار غرفة الجدة العجوز، كانت الطفلة أسيل (10 أعوام) تحاول تثبيت شمعة على قاعدة زجاجية صغيرة لتنير لها طريقها إلى غرفة نومها. وبعد ان انتهت، قالت الطفلة أسيل لمراسل الأناضول: "سأذهب لأخلد للنوم فلم يعد هناك ما يمكن فعله بعد انقطاع الكهرباء، كنت أتمنى أن أشاهد أحد أفلام الكرتون الممتعة هذا اليوم ولكن يبدو أن أمنيتي لن تتحقق كالعادة". وما أن استقرت داخل الغرفة الصغيرة، التي تتشارك فيها مع أشقائها الأربعة، حتى أجبرها ارتفاع درجة الحرارة وعدم توفر أي وسيلة للتهوية، على حمل فراشها والانتقال للنوم مع بقية أشقائها، في باحة داخل المنزل غير المسقوفة. وتقول:"حتى النوم لا نستطيع الوصول إليه بسهولة في ظل انقطاع التيار الكهربائي، بسبب أجواء الصيف الحارة". وما أن مرت دقائق على انقطاع التيار الكهربائي في حي الصبرة وسط مدينة غزة الذي تقطن فيه عائلة السموني، حتى سيطر السكون التام على منازل الحي بعد أن غرقت بالظلام الدامس، باستثناء أضواء الشموع الخافتة المنبعثة من بعض النوافذ. وفي الوقت الحالي تمد سلطة الطاقة منازل قطاع غزة بتيار كهربائي وفق جدول يعمل على وصل التيار الكهربائي لمدة 6 ساعات، ثم يتم قطعه لمدة 12 ساعة أخرى، معتمدة في ذلك على الخطوط المصرية والإسرائيلية. وفي مناطق تزداد فيها الكثافة السكانية تزداد ساعت القطع لأكثر من 20 ساعة بحسب بعض سكان مدينة غزة. ويحتاج القطاع إلى نحو 400 ميغاوات من الكهرباء، لا يتوفر منها إلا 212 ميغاوات، توفر "إسرائيل" منها 120 ميغاوات، ومصر 32 ميغاوات (خاصة بمدينة رفح)، وشركة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة، التي تتوقف بين فينة وأخرى عن العمل، بسبب نفاذ الوقود، 60 ميغاوات. وكانت سلطة الطاقة والموارد الطبيعية في غزة، قد أعلنت يوم 20 يوليو/ تموز الجاري عن توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة عن العمل وذلك بعد نفاد الوقود اللازم لتشغيلها، نظرا لانتهاء آلية توريد الوقود المعمول بها منذ شهور، والتي تتضمن خصم حكومة التوافق الفلسطينية لجزء من الضرائب المفروضة على سعر الوقود وفي نهاية مارس/آذار الماضي، أعلنت حكومة الوفاق الفلسطينية عن إعفاء محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة، من ضريبة مفروضة على الوقود الصناعي اللازم لتشغيلها لمدة 3 أشهر، عقب توقف المحطة بشكل كامل عن العمل في الخامس من الشهر ذاته. وتطالب سلطة الطاقة في غزة بشراء الوقود بسعره الأساسي، دون دفع الضريبة البالغة "3 شيكل إسرائيلي"(0.8 دولار) لكل لتر، والتي تذهب لخزينة السلطة الفلسطينية. لكن سلطة الطاقة في الضفة الغربية، تقول إن محطة الكهرباء توقفت نتيجة عدم تحويل الأموال اللازمة من غزة لشراء الوقود.