كانت نتيجة المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية تعبيرًا صادقًا عن إرادة الشعب فى التغيير وفى تجربة نظام وأفكار مغايرة لكل ما تم تطبيقه منذ ثورة يوليو 1952م حتى ثورة يناير 2011. وكانت الضربة قوية وموجعة لفلول الحزب الوطنى المنحل الذين خرجوا بمقاعد لا تذكر وبدون وجود فى هذه المرحلة. ولم يكن هناك حاجة إلى قانون للعزل السياسى أو للغدر لكى يعزل القانون الفلول من المشاركة السياسية، فالشعب هو الإرادة التى تعلو على أى قانون، والشعب بلغ درجة من الوعى يصعب معها التلاعب به أو المزايدة عليه. والشعب يعرف من هم الفلول، حتى وإن تلونوا والتحقوا بأى حزب آخر أو تخفوا فى ثياب وواجهة مختلفة وبدأوا يتحدثون بلغة الثوار. والذين أضاعوا الوقت والجهد فى ملاحقة الفلول كان عليهم أن يدركوا ويستوعبوا أن مرحلة ونظام مبارك كله قد سقط فى يناير، وأن الذين يحاولون البقاء فى الساحة من نظامه سوف يتساقطون واحداً تلو الآخر دون الحاجة إلى قانون أو قوائم سوداء، لأن المرحلة لم تعد مرحلتهم ولأن المعايير والمواصفات الجديدة للنظام القادم لا تنطبق عليهم، ولن يكون فى مقدورهم مجاراتها أو الاندماج فيها. وكما سقط فلول السياسة ويتلاشى تدريجياً وجودهم من المسرح السياسى فإن فلول الإعلام وهم أشد خطراً وفتكاً بالمجتمع من فلول السياسة سوف يتوارون أيضاً لأن الشعب بدأ فى نبذهم ولأن آلاعيبهم أصبحت مكشوفة وقنواتهم وصحفهم باتت معروفة. ومن يتابع تعليقات المواطنين فى حواراتهم على الهواء مع بعض برامج الفضائيات سيجد كماً هائلاً من عبارات التنديد والتجريح فى حق مقدمى هذه البرامج الذين كانوا من رجالات النظام السابق ومن المنظرين له، ومن لجنة سياساته، والذين قفزوا الآن على الثورة والثوار يدعون، هم من المنتسبين لها ومن الذين روجوا لها.. وبعض هؤلاء من فلول الإعلام من الذين أدمنوا تقبيل الأيادى فى العصر السابق لم يتمكنوا من مجاراة الثورة والثوار، ولم يجدوا لأنفسهم مكاناً فى دائرة التحول فراحوا يقودون ثورة مضادة للهدم والتخريب والتشويه بدعوى أنهم يتحدثون باسم الأغلبية الصامتة، وينيرون ويحفرون لوقيعة وانقسام بين مختلف الطوائف وفئات الشعب، ويراهنون على انتهاء الثورة، وكأن الثورة لم تكن ثورة شعب بأكمله، وكأننا لم نكن جميعاً فى خانة المطالبين بالتغيير والإصلاح لنظام ترهل وكان مليئاً بالتجاوزات والفساد. إننا نؤمن أن نتائج الانتخابات البرلمانية فى مراحلها الأولى هى خير إشارة إلى أن التغيير الحقيقى قد بدأ، وأن هناك نظاماً جديداً تتبلور ملامحه وليس فيه ما يدعو إلى الحذر والخوف أو الفزع .. فهو نظام اختاره الشعب بنفسه ولم يفرض عليه .. والشعب يريد أن يمنحه الفرصة لكى يعبر عن طاقاته وإبداعاته .. والشعب هو من يملك أيضاً إرادة التغيير والاختيار .. فلو فشل هذا النظام الجديد فلن يأتى به مرة أخرى إلى الواجهة .. وهذه هى الديمقراطية ومزايا الاختيار الحر. [email protected]