الشيخ محمد عمران، رحمه الله أحد الأصوات الحساسة التي زاوجت بين الدراسة المحكمة لعلوم النغم بشكل أكاديمي، وعلوم التجويد وفنون القراءة، وقد ترك أثرا وسعا في جمهور المستمعين برغم عمره القصير نسبيًا فقد توفي قبل أن يبلغ الخمسين من عمره. ولد الشيخ محمد أحمد عمران، في مدينة طهطا محافظة سوهاج في 15/10/1944م، وبعد عام واحد من ولادته كف بصره.
تمكن الشيخ عمران من حفظ القرآن الكريم مبكرًا في سن العاشرة على يد الشيخ محمد عبد الرحمن المصري ثم جوده على يد الشيخ محمود جنوط في مدينة طما.
وبرغم سنوات عمره القصيرة إلا أنها كانت مليئة بالإنجاز، فقد سافر رغم ظروفه الصحية إلى القاهرة وهو في الحادية عشرة من عمره، ليلتحق بمعهد المكفوفين للموسيقى؛ حيث تعلم أصول القراءات والإنشاد وعلم النغم والمقامات الموسيقية وفن الإنشاد على يد الشيخ سيد موسى الكبير.
وحين اتقن الشيخ علوم النغم والمقامات وتمكن من القراءة، كان لابد له من البحث عن مودر مالي يكسب قوته منه، لاسيما أن الالتحاق بالإذاعة كان في غاية الصعوبة في هذا الزمن برغم تمكنه درايته الواسعه بفنون القراءة، فالتحق بالعمل في شركة حلوان للمسبوكات بوظيفة قارئ في مسجد الشركة.
ولأن موهبته طاغية، فقد استطاع بعد وقت قصير أن يجذب النظار من موقعه المحدود الذي لا يمكن أصعب المواهب الضعيفة أو العادية من الظهور في أجواء الشركات والعمال التي تكون محدودة عادة، لكن صيته ذاع وحقق شهرة واسعة تجاوزت نطاق الشركة، فتقدم لاختبار الإذاعة المصرية وتم اعتماده مبتهلا بعد نجاحه بتفوق في امتحان الأداء، ومن المفارقات أن قرار اعتماده في الإذاعة لم يصل بيته إلا بعد وفاته!
وفي واقع الأمر لم يكن الشيخ غيره من الأفذاذ بحاجة إلى قرارات أو اعترافات، فقد كان صوته يشق السماء حين سجل للإذاعة عددا كبيرا من الأناشيد والابتهالات منها أسماء الله الحسنى والعديد من الابتهالات المتنوعة.
وقد تميز الشيخ محمد عمران رحمه إضافة إلى جودة صوته والتمكن من الأحكام والمقامات، بالتفرد في تجسيد المعاني أثناء القراءة أو الابتهال، في تيار متدفق من المشاعر، يعطي الكلمات صورا وأحاسيس وانفعالات قلما تجدها.
واستطاع الشيخ أن يحفر لنفسه مكانة مميزة في نفوس القراء الذين اتخذوه مثلا أعلى سواء من القراء الذي أتوا من بعده أو حتى من المشهورين وممن عاصروه، كما كان مرجعا لكبار الموسيقيين وذلك لإتقانه وإحكامه لفنون المقامات والنغم، ويعد الشيخ من أوائل الذين أحيوا الأفراح بقراءة القرآن والابتهالات. توفي الشيخ رحمه الله يوم 6/10/1994م، أي قبل أن يتم الخمسين عاما بأسبوع. رحم الله الشيخ عمران وأسكنه الجنة.