الأمطار تغرق ميدان التحرير وكأنها آية من آيات الله لينفض العرس دون عناء أو مجهود، جند من جنود الله يرضخ له الجميع دون قنابل مسيلة للدموع ودونما مركبات للأمن المركزى، إنها إرادة الله التى تعطى مؤشراً على توفيق الله لهذا الوطن وعلى كرمه، انفض عرس التحرير وعاد الثوار مرغمين إلى بيوتهم إلى إشعار آخر، هاتفنى صديقى صبيحة يوم الانتخابات فقال هناك زخات من المطر فقلت له هذا بشير خير فالأمطار تحمل الخير فى طياتها لعلها الخير المكنون والدر النثور على رأس هذا الوطن، تابعت بنهم، تركت مكتبى لأتسمر أمام التلفاز مع بداية يوم الاقتراع، لم أتمالك عينى من الدمع الذى سال على خدى، هذا الشعب الذى حُرِمَ أن يشعر بقيمة صوته، ملايين من المصريين تعرف قيمة صوتها لأول مرة، عجائز يصِلْنَ إلى لجان الاقتراع وقد تحاملن على أنفسهن وهم يحلمون بالحرية، ويتمنون على الله أن يهيأ لهذا الوطن من يصلحه، وأن يولى عليهم خيارهم، لايرغبون إلا فى الأمن يعود إلى ربوع الكنانة، جُل أمانيهم أن ينتخب الشعب رئيساً صادقا بأصوات حرة، ذرفتُ الدمعَ ساخناً دون قصد منى وقلت لا سمح الله من حرمهم هذه النعمة، كم هو حميل أن تشعر بقيمتك كإنسان، أن تنعم بالوجود الذى سخره الله من أجلك، أن تشعر أن كل صوت له وزن، أن ترتقب النتيجة دون أن تعرفها سلفاً، والأجمل أن تسلك راضياً سواء كانت لك أم عليك، وأن تقبل بها، تهنئ من وفقه الله وتدعو له بالتوفيق والسداد، وتصافح من لم يوفق وهدفنا واحد لابد أن ينهض الوطن الجريح، لابد أن يعود إلى الحلبة، الدنيا كلها توقعت شلالاً من الدم طالما روَّج له المغرضون وبهروا حين رأوا الأمن الذى وفق الله الجيش والشرطة قادة وجنوداً ليعم الديار ولعلها فرصة أن تستمر تلك القبضة وألا نعود إلى الوراء، اختفى اللصوص سارقوا الذمم والبلطجية فى الجحور، اليوم يرتفع رأس المصرى شامخاً عزيزاً غير مهان، لقد كنا نعانى فى الغربة من أنه لا يقام لنا وزن، وكنت كلما تحدثت مع غيرى أقول لهم هنا على قادتنا فكنا على غيرنا أهون، أما وقد تغير المشهد وانقلب السحر على الساحر وعدنا نستنشق هواء نظيفاً، عادت لكل مصرى كرامته، الملحمة تكتمل، والأسطورة ترسم ملامح السعادة فى خاتمة حسنة بإذن الله، اليوم يوم الحب، يوم المرحمة، يوم الوحدة، يوم التسامح، يوم التلاحم، تعالوا إلى كلمة سواء، يداً بيد نبنى مصر ونرسم أملاً على وجوه الأطفال، دعهم يحلمون بغد أفضل، تعالوا ننسى خلافاتنا، تعالوا نفسح الطريق نحو العمل والإنتاج، تعالوا نتلاحم ولا نختلف، نتواصى ولا نتناطح، هذا يوم الوفاء، تعالوا نعيد للجيش هيبته، ونفتح صفحة جديدة مع الشرطة وهمنا مصر التى نعشقها حتى الثمالة فما قابلت فى حياتى أناساً يحبون أوطانهم كما يفعل المصريون، تعالوا نقول للدنيا بأسرها أن دماء شهدائنا لم تضع هباء، تعالوا نحمل الدعوات للشهداء والمصابين والجرحى بيوم الوفاء، تعالوا نرد الفضل إلى الله وحده الذى وفقنا لهذه الثورة العظيمة.