ذهبنا إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أول مجلس فى سنة أولى ديمقراطية.. كان الإقبال غير المسبوق أفضل دليل على أن هذا الشعب العظيم قادر على صيانة وكتابة تاريخه ومستقبله بنفسه. وكان التواجد الكثيف رسالة من شعب مصر بأنهم يتطلعون إلى الاستقرار من خلال تكوين وانتخاب المجلس النيابى، الذى سيكون الصوت الوحيد المترجم والمعبر عن آراء وأفكار وقضايا المواطن وأنه سيكون القناة الدستورية الشرعية التى يتم من خلالها تمرير هذه الأفكار وترجمتها إلى تشريعات وقوانين بعيداً عن سيطرة أو سطوة أو وصاية أى تيار أو تكتلات تعتقد أو تؤمن بأن لها حق التحدث باسم الشعب أو فرض إرادتها ورؤيتها على المجتمع. غير أننا فى هذا الحدث العظيم الذى نمر به يجب أن نتذكر وأن نترحم وأن نتوجه بالتحية لشهداء ثورة مصر فى يناير الذين لولا تضحياتهم بأرواحهم ولولا وقفتهم الوطنية الشجاعة ما كان ممكناً أن نصل على هذا اليوم، وأن نقف أمام صناديق الانتخابات بإرادتنا الحرة لكى نختار من يمثلنا ومن يعبر عنا. وكل التحية لأبطال ميدان التحرير الذين فرضوا إرادة التغيير، وكل الاعتذار لمن اعتقدوا أننا نختلف معهم فى الوسيلة والطريقة لأن الهدف كان وسيظل واحداً وهو أن نرى اليوم الذى تستعيد فيه مصر عافيتها ومكانتها وأن يعود للمواطن المصرى فى أى مكان داخل أرضه وخارجها كرامته وقيمته واعتباره. ولن يكون لكل هذه التضحيات والآمال قيمة إذا لم يكن الهدف هو المواطن، المواطن الذى هو الأساس لأى تقدم أو تنمية، والمواطن الذى طالت سنوات تجاهله وإجباره على شد الحزام على البطن الخاوية، والمواطن الذى لا يجد علاجاً مناسباً ولا رعاية اجتماعية تذكر ولا وظيفة تحقق له الاكتفاء وتوفر له الحياة الكريمة. إن الثورة قامت لتنادى بالعدالة الاجتماعية، وهى عبارة ترددت منذ قيام ثورة 1952م، ولم تجد لها مكاناً على أرض الواقع حتى الآن لأنه لم يكن هناك برلمان حقيقى للشعب طوال كل هذه العقود ينادى بالعدالة ويحرص عليها ويتمسك بها. والآن يعود إلينا الأمل فسيكون للشعب صوتاً، وسيكون له نواب جاءوا بإرادة الشعب الحرة، وسيكون ممكناً إحداث التغيير المطلوب الذى يمكن أن يترجم أهداف الثورة، ويعيد إلينا الحلم، فدولة بلا أحلام عظيمة لا يمكن أن تصنع لشعبها مستقبلاً أفضل. لقد بدأنا التجربة، ودخلنا مرحلة الانتقال السلمى للسلطة وسننتخب برلماناً للثورة.. وليس مهما من يصل إلى الحكم ما دام سيصل إليه بقناعات شعبية، وسيحاول أن يلبى مطالب وتطلعات الشعب.