كلما تقادم الزمن يتعاظم الإسلام وتبدو المسافة شاسعة متزايدة بين عظمته وبين أحوال المنتسبين إليه. ولنذكر المعادلة التاريخية وهى أنه عندما ظهر الإسلام فى الجزيرة العربية، لم يكن للعرب حضارة معتبرة ولم يكونوا قوة بل كانوا قبائل متناحرة تفخر بحماقتها وتفخر بسليقتها اللغوية، ونزل القرآن باللغة العربية نكريما للغة وليس لاصحابها كمت نزل بهذه اللغة لكي يتحدي العرب في اعز ما يملكون ويعتزون. فالانحطاط الحالي يصيب استخدام العرب للغة فى عصرنا وليس الانحطاط للغة ذاتها التى تعهد الله بحفظها مادامت لغة الكتاب، وهو أمر لم نجد له مثيلا للغات الأخرى التى نزل بها التوراة والإنجيل، فصار التحريف فى هذه اللغات ممكنا لغياب التعهد بالحفظ إلى قيام الساعة. ولا يمارى أحد فى أن قول الله تعالى "انا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" تعنى بوضوح تعدد صور الحفظ وأشكاله لتشمل المضمون والمحتوى والأحكام ، كما تشمل لغة النص، لأنه لا يتصور أن يفرط الله سبحانه علت قدرته فى اللغة التى نزل بها النص، ولا يقتصر الحفظ – عقلا – على المضمون والمحتوى. وعندما تلقف العرب الكتاب واستوعبوه وتمثلوا أحكامه بصفته الكتاب الجامع لكل الأحكام السابقة، والصلة الأخيرة من السماء إلى الأرض إلى قيام الساعة اعز الله العرب بكتاب الله والتمسك بأحكامه، ونقلهم من الظلمات إلى النور فهزموا أكبر امبراطوريتين فى ذلك الزمان من نهاية القرن السادس الميلادى، الأول الهجرى وهما الفرس والروم وأدخلوهما إلى رحاب هذا الدين فورا كما حدث لفارس،وبعد سبعة قرون عندما قامت امبراطورية آل عثمان، ولذلك فالتلازم الاستراتيجى والدينى بين ثلاثية العرب/ الفرس/ الأتراك لها جذور تاريخية. ثم انتشر الإسلام إلى كل الأراضين وأقام المسلمون امبراطورية وحضارة المشرق وفى الأندلس. وعندما بدأ الصراع والشقاق وانشغلوا بالدنيا عن الدين، ظهرت الفرق المتصارعة ولم يلتفتوا إلى التحذير القرآنى بالا يتنازعوا فيتصارعون فتذهب ريحهم اى قوتهم. وبالفعل رأينا منذ نهايات العصور الوسطى تتحلل القوة الإسلامية للدولة العباسية أمام هجمات التتار -المغول فتعوضها الامبراطورية العثمانية التى ظهرت وامتدت إلى قلب أوروبا فى ذات الوقت الذى كانت فيه دولة الإسلام فى الأندلس تغيب شمسها ويبدأ هوانها على غيرها قبل هوانها على أعدائها. بدأ العد التنازلى لانكماش العالم الإسلامى فى مواجهة الهجمات الصليبية على الشرق، ثم الاستعمار الغربى وأخيرا الصهيونية وبلغ الهوان غايته هذه الأيام فيما نراه اليوم من اقتتال المسلمين فى أراضى المسلمين بأسلحة الغرب وخططه بعد أن استباحوا ديارنا واخترقوا خصوننا الاخلاقية، فصار المسلمون غير جديرين بالإسلام، فأذاقهم الله لياس الذل بما فرطوا فى كتاب الله، وصار الغرب هو الذى يطبق أخلاق الإسلام مما سجله محمد عبده ومما لمسناه ولمسه غيرنا فى ربوع أوروبا حيث أقيم العدل والانصاف وضمن القانون الحريات والحقوق، فصار المجتمع المتضامن أساس القانون، بينما كان كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. وكان الناس إذا رأوا الظالم يأخذون على يديه حتى لا يصيبهم الله بعقاب نزل بهم اليوم، بينما يرفع المجتمع الأوروبى الذى تقوده دولة عادلة قانونية الظلم ويرد الظالم بهذا القانون، فخسر المسلمون القانون وسلطته، والدين وأخلاقه، فصاروا يتفلتون فى صحارى الحياه كالغنم الشاردة ضحية لأعدائهم الذين جندوهم بتخلفهم لكى يذيق بعضهم بأس البعض الآخر. فصار المسلمون لا يفزعون لأعمال القتل والتهجير والاغتصاب والتعذيب والتنكيل وهم يحملون المسابح والمصاحف ويرتكبون المجازر باسم الله. هذا المشهد شجع البوذيين على استضعاف المسلمين فى آسيا، مادامت الدول الإسلامية المجاورة قد فقدت النخوة الإسلامية، مثلما صارت منظمة التعاون الإسلامى والدول الإسلامية الكبرى فى شغل عن القضايا الكبرى، فسهل ذلك على الصهاينة اليهود أن يصطادوا الشباب الفلسطينى مثلما يصطاد الانجليز حمام دنشواى فى مصر، ثم لايجد الجندى الغاصب حرجا فى أن يهرس جسد الشاب الفلسطينى بشاحنة عدة مرات، فقد أمن العقاب فأساء الأدب، رغم أن إسرائيل لو قامت فى إفريقيا لا لتهمها الأفارقة فى شهورها الأولى. أليس من اللافت أن إسرائيل اختارت أن تقوم فى منطقة المشرق التى فقدت النخوة واخترقت بواباتها ومفاصل كبرى الدول فيها وهى مصر كما سجل عاموس يادلين مدير المخابرات العسكرية فى تقريره إلى الحكومة الإسرائيلية عام 2010 وهو يفخر بانجازات مخابراته الجريئة والموساد ونشر التقرير عدة مرات وبه أسماء الكبار، ولم يكن صدفة أن مبارك أطلق عليه صديقه وزير البنية التحتية الإسرائيلية بأنه كنز إسرائيل الاستراتيجى . فذهب عن إسرائيل الروع وهى ترى ثورة الشعب المصرى التى آذنت بأن تخرج المنطقة من كبوتها وهى تتلقى ضربة نجلاء من جميع القوى المضادة التى تشهد الآن تجلياتها المخيفة فى مصر ونتائجها المحزنة فى كل المنطقة؟ وبينما المسلمون والعرب يستمرون فى انحطاطهم واستلحاقهم بالغرب، تعلو نجمه الإسلام، فتظهر عورات المسلمين لكى يدركوا أن مصدر قوتهم هو أن يعضوا على دينهم بالنواجذ فلما فرطوا فيه لم يضروا الإسلام، وإنما ذاقوا هم أنفسهم الهوان. وطوال عقود طويلة ظهر مصلحون يشخصون الداء ويصفون الدواء، وكان العنوان الثابت "لماذا تخلف المسلون وتقدم غيرهم" وبصيغة أخرى: ماذا كسب العالم بانحطاط المسلمين؟ . لقد كسب الغرب بذكائه ومؤامراته انحطاط المسلمين واستمرار استغلالهم وظنوا انهم الحقوا الهزيمة بدينهم بايديهم. سبب الانحطاط هو الادعاء بالتدين وعدم الفهم الصحيح للدين والشريعة والتطير بأصحاب المؤامرات ومركزها إسرائيل فصارت إسرائيل حليفا ضد إخواننا فى الدين، فصار المسجد الأقصى ضحية هذا التحالف غير المقدس، بل واستخفت الدول بالمسلمين فى إفريقيا وغيرها وسوف تكون الطامة الكبرى أن يطرد المسلمون من الغرب كما طرد المسلمون من حضارة الأندلس، والسبب أننا نمارس الإسلاموفوبيا فى بلادنا ونزعم أننا ضحية هذه الظاهرة فى الغرب، ونسينا أنه من يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلام. لقد صار التحريض على العقل باسم الله، واجتثات الآخر قربى إلى الله، وصار رجال الدين يلبسون درع السلطان ويوظفون هيبة وضعهم كحملة كتاب الله ليضلوا عباد الله، بينما يحجب العلماء الحقيقيون عن مسارح الظهور، بل يعانون فى غياهب السجون. أما كيف نعود إلى الله وإلى كتابه، فلذلك تفصيل آخر، خاصة وأن الكل يزعم أنه يعمل باسم الله وبكتاب الله، والله لهم جميعا بالمرصاد. يخادعون الله ورسوله ولا يخدعون إلا أنفسهم ولكن لا يشعرون. الاسلام في حماية الله لانه جماع الشرائع حتي قيام الساعة ، ولن ينال منه نائل ، ولكن الذلة للمسلمين الذين ضلوا طريق الرشاد.