أثارت تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي التي توجه بها إلى جماعة "الإخوان المسلمين" مساء الأربعاء الماضي، قائلاً: "لو عاوزين تعيشوا معنا في سلام وآمان فمرحبًا بكم"، ردود فعل على نطاق واسع، إذ أن هناك من اعتبرها إشارة قوية على وجود تفاوض بين الدولة والجماعة، فيما رآها آخر مسعى منه لدفع الإخوان للقبول بشروط مصالحة مع الدولة وفق شروط الأخيرة. وقال محللون إن السيسي يستبق ضغوطًا دولية وإقليمية من جانب دول معروفة بدعمها للسلطة الحالية في مصر للمصالحة مع الجماعة، بعد أن أدركت أن مصر وصلت حاليًا لطريق مسدود، وأنها بدون مصالحة فإن الدولة تتجه إلى الانهيار، وبالتالي فلابد من البحث عن حل في ظل عجز الأطراف جميعها عن حسم المعركة. ويصفون الدور السعودي في المصالحة بأنه "أساسي محوري"، على الرغم من انتقادات الدكتور جمال حشمت، رئيس برلمان الإخوان للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ردًا على قيام المملكة بتسليم مواطن مصري صدر ضده حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة لاتهامه بالمشاركة في قتل وسحل نائب مأمور قسم "مطاي" بمحافظة المنيا، في الوقت الذي وجهت فيه أحزاب وقوى إسلامية انتقادات مماثلة للعاهل السعودي، مطالبة بالرهان فقط على قدرات "الثوار" الذاتية. وجاءت الهزيمة التي تلقاها النظام في معركة احتجاز الإعلامي أحمد منصور، مقدم البرامج بقناة "الجزيرة" بعد احتجازه في أحد المطارات الألمانية، قبل أن يتم إطلاق سراحه دون توجيه أي اتهام لتضاف إلى سلسلة من الإخفاقات التي يعاني منها حاليًا، وخاصة مع التوتر في العلاقات مع دولة الإمارات وانسحاب الشركاء الإماراتيين وآخرهم محمد العبار من مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وإعلان الحكومة عن إلغاء بروتوكول التعاون مع شركة "أرابتك"، لنؤكد وجود أزمة مكتومة مع الدولة الإمارات العربية المتحدة. غير أن المحامي ممدوح إسماعيل، النائب البرلماني السابق دعا إلى عدم الرهان من قريب أو بعيد على دعم قوى إقليمية لفرض المصالحة على النظام الحالي، قائلاً: "الحراك في الشارع وقدرة الشباب على الصمود هما الوحيدان الكافيان بإسقاط النظام الحالي وليس فرض المصالحة عليه"، مشيرًا إلى أن "تهديد السيسي المبطن بارتكاب مذابح أخرى يصلح مسوغًا لإقامة دعاوى ضده في محاكم دولية بتهمة الإبادة الجماعية". وتابع: "يجب عدم الرهان على دعم دول تجمعها مصالح ولا تحكمها مبادئ"، معربًا عن قناعته بأن "الأزمة المصرية حلها في الداخل وليس في الخارج، لاسيما أن الغرب لا يعرف إلا مصالحه ولا يعبأ بقيم الحرية والديمقراطية التي يوظفها فقط للتخديم على مصالحها وابتزاز دول المنطقة ومن ثم فلا يجب الاعتماد على ثبات قوى الثورة". فيما جاءت خطوة إطلاق 165 معتقلاً بالسجون بينهم عدد كبير من المنتسبين لجماعة "الإخوان"، كانوا محبوسين على خلفية قانون التظاهر كبادرة حسن نية تجاه الجماعة، الأمر الذي تلقفتها تيارات حليفة للإخوان وعلى رأسها "الجماعة الإسلامية"، لقول على لسان محاميها عادل معوض إن "المصالحة مع الدولة وباتت وشيكة وعلى الشعب الاستعداد لها". وفي هذه الأجواء ربطت مصادر بين المبادرة التي أطلقها الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، رئيس حزب "مصر القوية"، للمصالحة بين الدولة والإخوان وبين رغبات قوى خارجية في تحقيق المصالحة، لاسيما أنه منفتح بشدة على قوى وطنية وسياسية في الداخل والخارج، ويرى أن البلد يمر بأزمة طاحنة لن تخرجه منها إلا مصالحة وطنية، متجاهلاً الانتقادات الشديدة التي وجهت له خلال الفترة الأخيرة من جانب جماعة الإخوان. ما يزيد من قلق السلطة ويعزز من الاتجاه الداعم للمصالحة اقتراب ذكرى 30يونيو والثالث من يوليو واحتمالات أن تشهد البلاد موجة من العنف خلال المرحلة القادمة واحتمالات قيام مجموعة ثورية معروفة بموالاتها لجماعة الإخوان مثل العقاب الثوري والأيام الحاسمة والحازمة وأولتراس ربعاوي ونهضاوي بتنفيذ عمليات ضد شخصيات عامة وإعلاميين وقضاة وضباط جيش وشرطة، لاسيما أن مصر لا تتحمل الدخول في موجات عنف وسقوط دماء جديدة. ويرى خالد الزعفراني، القيادي الإخواني المنشق، أن "تراجع قدرة الإخوان على الحشد الجماهيري والعجز عن دفع السلطة إلى المصالحة سيدفعان تيارًا متناميًا داخل الجماعة لتبني العنف وما أطلق عليه العمليات النوعية ضد الشرطة والجيش لإجبار السلطة على المضي قدمًا في مسألة المصالحة الوطنية ودمج الجماعة في المشهد السياسي". وقلل الزعفراني من "أهمية إعلان جماعة الإخوان تبرؤها من حركة العقاب الثوري بعد تبني الحركة سلسلة من العمليات النوعية ضد أفراد في الجهاز الأمني"، قائلاً: "الإخوان توفر في كل الأحوال غطاءً سياسيًا لعنف هذه الجماعة ومن على شاكلتها"، مشددًا على أن تهديدات ولاية سيناء بأعمال عنف غير مسبوقة بين الشرطة والجيش يجب أن تؤخذ مأخذ الجد.