حبيبتي بلادي هذا دمك أراه لا يزال ساخنا وصارخاً في النائمين هو العبير في صدور الناشطين ..من ديوان إلا هذا اللون الأحمر وأنا أمام التلفاز أرقب بوادر الثورة الثانية وتجاهل المجلس العسكري لمطالب الجماهير وشباب الثورة وصدور بيانات تعيد معزوفة عهد المخلوع مبارك الكريهة.. تراجعت بي الذاكرة إلى سؤال وجهته إلي الراحل العظيم صلاح عبد الصبور شاعر مصر الأول حتي الآن: - لماذا يقوم بدور المتفرج علي الأحداث ، وأين دوره النضالي إزاء القمع المتواصل للإنسان المصري قال: - من العبث أن يواصل الإنسان مغامراته في طرق مسدودة. كأنه يلوم الشعب علي صمته الطويل. ومنذ 25 يناير 2011 تبدل الصمت وفتحت الطرق بدم الشهداء الغالي.. فماذا فعل أدباء مصر؟ غير بعض الكتابات والبيانات الرسمية المعتادة التي تصدر علي استحياء ليتجنبوا العتاب والمساءلة. أين موقعهم الجماعي الفاعل المتنامي علي الأرض لاستعادة الثورة قبل أن تسرق ، والظرف يسمح ، والتاريخ يرقب. أين موقف اتحاد الكتاب المحدد والقاطع من قادة المجلس العسكري المصري السياسية لمصر وكل الدنيا تقول : لا يصح أبدا أن يتولي العسكر شئون السياسة وهو ما كتبه هنتنجتون وغيره من المفكرين ، وما نفذته تونس وليبيا - وسائر الثورات الناجحة.. ولا نريد أن نستعيد قول الشاعر علي محمود طه في قصيدته «مصر» عجائب لم تقع إلا بمصر: وأحداث يطيش لهن لبّ - موعدنا صباح الغد يظن البعض أنه يملك اللحظة القادمة، ويملأ اليقين صدره بأنه سيبلغ ما يريد خاصة عندما تكون كل الآفاق مفتوحة وممهدة ونكون علي مدي ساعات من التنفيذ. لكن الحياة علمتني أن ما سيكون لا نملكه حتى يكون وأذكر ثلاث رغبات كانت علي وشك التحقق يدور محورها حول الشاعر صلاح عبد الصبور «1931-1981» والحكاية إنني كنت أنجزت كتابا عن حياته وشعره يتضمن حوارُا طويلاُ معه ، تناول المسكوت عنه في حواراته السابق وتصدى بصراحة كاملة لأمور تتعلق بالآداب والسياسة والعقيدة. وقبل أن تدفع به إلي المطبعة قال لي : - دع هذا الكتاب معي لأنني أريد أن أحذف شيئا وأضيف أشياء وموعدنا صباح الغد فوجدتها فرصة لإضافة سؤال آخر كنت آراه مهمًا. وفي المساء التقيت الصديق الإذاعي عمر بطيشة فأفادني برغبته في لقاء صلاح عبد الصبور ربما لإجراء حوار معه وفي الصباح اتصل بي عمر .. نقلت له.. أنا بانتظارك. قال: ألم تقرأ الصحف قلت: خيرا. قال: لقد توفي صلاح عبد الصبور.. نزف قلبي حزنا وألما فقد كان إنسانا لا تملك إلا أن تحبه وأصابتني الدهشة والأسى معًا. لقد مضي ولم ولن يستطيع حذف كله أراد حذفها وصدر الكتاب دون أن أدري ما هي هذه الكلمة. ومضي وسؤالي الأخير له حبيس في عقلي.. ومضي وقد بترت رغبة عمر في لقائه. هذا مشهد صغير له دلالاته التي عاشت في خاطري لعقود .. إن الإنسان يحيا مع الممكن والمتاح وليس مع رغباته المطلقة وأرض الممكن ليست ملكا لنا علي المستوى الشخصي فنسعى للتوافق معها ومشيئة الله تظل كل شيء وتسبق كل شيء وتحت مظلتها نحيا ونمضي.. وقد تداعت صور كثيرة لهذا الشاعر النبيل تشف عن وفائه الجميل لأصدقائه وإخلاصه للمبدأ. كانت هناك زوابع ثقافية تتعلق بكتاب الدكتور لويس عوض عن «اللغة العربية» وما لحق به من مآخذ - لا مساحة لذكرها الآن- وكان شاعرنا يتعرض لضغط معنوي من الدكتور لويس عوض لنشر الكتاب وكان عليه أن يتخذ قرارا من واقع مسئوليته كرئيس للهيئة المصرية العامة للكتاب وكما هو معلوم إن الدكتور لويس عوض كان من المؤيدين الكبار لمسيرة شاعرنا الأدبية ولمست بنفسي حيرة شاعرنا بعد اتصال تليفوني من الدكتور لويس بخصوص الكتاب وقد أخبرني صلاح عبد الصبور أنه رافض لهذا الكتاب وتأرجح شعوره بين الوفاء لعزيز عليه والانحياز للمبدأ فاختار المبدأ.. رحمك الله يا شاعرنا البديع بمحبة محبيك وما أكثرهم. - دموع الشيخ جاك سحر مصر في عيون الناس وفي عيون التاريخ فهي باعتراف كافة المحللين والمفكرين دولة محورية تشارك في صنع تاريخ العالم حتي في لحظات ضعفها بما جعلها مطمعا للطامعين والغزاة ولا يغيب عنا التهديدات التي ينادي بها بعض رموز الكيان الصهيوني لشن الحرب علي مصر بينما قادة جيشنا العظيم يشغلون أنفسهم بما ليس لهم من سياسة وإدارة مصر . إن الأمر جلل يا سادة يا كرام ونحن أمام مفترق طرق إما إلي المجد وإما إلي اللحد. ورغم عشرات الكتب التي قرأتها لكتاب من كل أنحاء الأرض عن سحر مصر قرأت سطورا في عيني رجل فرنسي أفصح عن كل ما قرأت وأروع مغزى. فمن عشرين عاما سافرت في رحلة عشوائية إلي فرنسا ونزلت بمدينة تدعي «ديجون» وعند تقديمي لجواز سفري لموظف فندق متواضع هناك تفرس الرجل في وجهي وابتسم ابتسامة مشرقة تأملت الرجل فوجدته شيخا طاعنا في السن ملامحه طوي بعضها بعضا يلبس قبعة ، وقال لي بود : أهلاً.. سألته : أتعرف العربية قال بل وأعرف مصر ماذا يمكن أن أقدمه لك؟ قلت : غرفة ملائمة .. لكن ما صلتك بمصر.. قال: لقد عشت فيها عشرين عاما وسكنت بحي شبرا، ورأيت من أهلها ما لم أره من أهلي لقد أحببت مصر وترابها وموسيقاها وكنت أتمني أن أدفن فيها وطفرت من عيونه دموع ثم أخرج من محفظته صورة قديمة لأم كلثوم، وأعطاني بطاقة للذكري كتب عليها: الشيخ جاك، ونظر لي قائلاً: هكذا كانوا ينادونني في شبرا .. وهو لقب أعتز به. ملأ الفرح قلبي وقتها وصافحته بحرارة ومضيت إلي غرفتي ما أروعك أيتها الحبيبة الكونية مصر.. إنني أخاطب كل المسئولين والفلول أيضا ومن لا يري إلا وجهه في المرآة .. أقول لهم أحبوا مصر - كما أحبها الشيخ جاك.