أصبحت سمعة مصر على مستوى السلامة المرورية هي الأسوأ تقريبا على مستوى العالم ، مذبحة بشرية يومية تشهدها الطرق المصرية بصورة تقشعر لها الأبدان ، أمس حملت وكالات الأنباء مأساة مقتل ثمانية عشر مواطنا مصريا وإصابة قرابة ثلاثين آخرين في حادث اصطدام دموي بين حافلة وشاحنة في محافظة قنا ، وفي اليوم نفسه مذبحة مرورية أخرى انتهت بمقتل أربعة عشر سائحا صينيا في انقلاب حافلتهم ، وهذا يعني شيئا واحدا : هناك حاجة غلط في مصر ، سواء في قوانين المرور أو في الطرق أو في حالة الالتزام بمعايير السلامة من قبل الدولة أو المواطنين ، هناك حالة فوضى مرورية حقيقية ، لا تخطئها العين ، ومن عاش في القاهرة يرى العجب يوميا ، من انتهاكات أبسط قواعد المرور بصورة اعتيادية ، وأول من ينتهك قواعد المرور هي سيارات الحكومة ثم سيارات وزارة الداخلية المنوط بها حماية السلامة المرورية ، كسر إشارات المرور أمر عادي جدا لسيارات الحكومة ، وهناك مؤسسات أخرى في الدولة غير خاضعة لقوانين المرور أصلا وآخرون لا توقع عليهم أية جزاءات أو مخالفات لاعتبارات لا يعلمها إلا الله ، وسيارات الميكروباص التي تخترق شوارع القاهرة كلها على مدار الساعة لا تعترف أصلا بوجود قواعد للمرور ، وهو أمر ضج بالشكوى منه خلق كثير بدون أي معنى ، والدولة تتغاضى عمدا عن اتخاذ إجراءات رادعة لاعتبارات سياسية ، لأن سيارات الميكروباص تحمل عبئا ضخما عن الحكومة في قضية المواصلات خاصة في القاهرة ، لأن ملايين البشر يوميا يستخدمونها في أعمالهم ومصالحهم ومدارسهم ، وحتى عندما تم تأسيس شركات خاصة للنقل الداخلي تحولت الفوضى إلى فوضى شركات ، تمشي في الطرق السريعة فتجد سيارات النقل الضخمة " بمقطورة " تمرق كالسهم بجوارك في سرعة تتجاوز المائة وعشرين كيلو متر في الساعة على الأقل ، رغم أن سرعتها المقررة قانونا هي ستين ، وتفاجأ أثناء سفرك بفخ يقولون أنه مطب صناعي يطيح بسيارتك في الهواء وانت ونصيبك ، وكل مواطن له مطلق الصلاحية الآن للمشاركة في تنظيم المرور من خلال وضع مطب صناعي أمام بيته أو حقله أو محله أو مدخل قريته ، والبلدية تقوم بواجبها في إنشاء بعض الحفر أو عيون الصرف في نهر الطريق ثم يتركونها لليوم التالي فيدخل فيها أول سيئ الحظ ليلا ليلقى وجه ربه هو وأسرته ، ويتفضل السيد المحافظ بصرف خمسمائة جنيه للمصاب وألف للقتيل وعلى الضحايا شكر الدولة على كرمها وحسن رعايتها ، كمائن المرور مشغولة بمهمات وظيفية بحتة ، مطلوب عدد معين من رخص المرور المسحوبة كل يوم ، فإذا تم تحصيلها فهذا يعني أن الأمور تسير بشكل سليم والحالة عال العال ، والسادة الضباط مشغولون باستيقاف السيارات التي بها خدش صغير في جانبها باعتبارها مخالفة للسلامة والمتانة رغم أن بعض سيارات الشرطة تسير بدون أي معالم للسلامة والمتانة أصلا ، وأحيانا ينشغل رجل المرور بمطاردة سائق تاكسي بائس بدعوى أنه لا يضع النحاسة الخاصة برخصته في مكان مميز داخل كابينة السيارة ، وأمور من هذا المستوى العظيم ، بينما الشارع كله في حالة فوضى ، وهناك أمور أخرى لا أحب ذكرها في سلوكيات المرور ويعرفها المواطنون كجزء من ثقافة " التسليك " ، بطبيعة الحال مشكلة المرور في مصر جزء من مشكلة أكبر ، وهي غياب القانون أو تغييبه ، في المرور كما في السياسة كما في الاقتصاد كما في الإدارة ، نحن في دولة لا تحترم القانون ، وبالتالي يتربى الناس على عدم احترام القانون والنظام معا ، إذا كانت الدولة وأجهزتها ومؤسساتها لا تحترم القانون فكيف سيحترمه المواطن العادي ، وبالتالي سيستمر نزيف الدم على الأسفلت بكل تأكيد ، وسنسمع يوميا المزيد من القتلى بالجملة ، وستظل سمعتنا المرورية في الحضيض على مستوى العالم . [email protected]