يبدو أن الدماء ستظل وحدها وثيقة المرور نحو الحرية بعدما تباطؤ العسكري في تنفيذ مطالب الشعب، حالة من الغليان تعيدنا إلى نقطة الصفر، وإلى نقطة البداية، دماء سالت، وشهداء سقطوا، وعنف متعمد، أدخنة تغطي سماء التحرير. مشاهد من العنف تعيدنا إلى العصر البائد، فوضى تحركها أياد خفية، صمت مريب من العسكري، بيان هزيل من مجلس الوزراء، بدأ الرصيد في النفاذ، الأمور مهددة بالتصاعد، ثورة عارمة على الأعتاب أخشى أن تأكل في طريقها الأخضر واليابس، الكابوس بدأ يطارد النائمين، قبضة الأمن وصورته التي ظهر بها تفصح عن وجه اختبأ خلف البراءة على خجل ثم ما لبث أن أفصح صراحة دون مواربة. لم يتغير شيئ، الأمور كما هي ، يد الأمن تبطش، الغلاء يضرب كل شيئ، الفلول تعبث بمقدرات هذا البلد، العسكري يرفض تحديد مدة ترك السلطة والعودة إلى الثكنات، المحاكمات العسكرية للمدنيين بينما من أفسدوا الحياة في مصر عبر سنوات طويلة يحاكمون أمام قاضيهم الطبيعي، لم تسقط الأحكام العسكرية التي تمت في عهد الملوع، لم نسترد جنيهاً واحداً من أموال الشعب المنهوبة. البلطجة سلاح في صدر الشعب، الاستقرار والأمن نعمتان مازالتا غائبتين عن الساحة، المبادئ فوق الدستورية التي حركت المياه الراكدة وأشعلت الثورة من جديد، الثورة تسرق في وضح النهار، اللصوص مازالوا يمرحون، تغيرت صورهم لكن الأسماء واحدة، الثورة اليوم ثورة من لم يجدوا طريقاً غيرها. إنها ثورة تصحيح المسار، لا أدرى سبباً منطقياً واحداً لصمت العسكري، لقد ارتفعت أسهمه ووصلت إلى أعلى مؤشراتها إبان المخلوع، وكل يوم يمضي يتناقص الرصيد يوماً بعد يوم،لقد كانت الفرصة متاحة ليظل العسكر رمزاً لحقن دماء هذا الوطن. تتابع الأحداث وتسارعها، وسقوط الدم من جديد، ووقوع الجرحى يرغمنا على تعديل مساراتنا وتوجهاتنا. مصرنا تغرق في بحر من الدماء، سيادتنا مهددة. الشعب يحتاج إلى من يهدّأ من روعه، ويسكن ثورته بجدول زمني لترك السلطة، وإجراء الانتخابات في موعدها، والوفاء بالاستفتاء الدستوري الذي كان منقطع النظير. لم تبق سوى ورقة واحدة تستر عورة ما شاهدنا وتابعنا، حفظ الله مصرنا، وحقن دماء أبنائها.