رغم أن الخارجية والجيش والشرطة والقضاء لا يعمل أعضاؤها بالسياسة ويحظر عليهم الانضمام لأى أحزاب سياسية, فقد كان مصير العاملين بهذه الأجهزة مرتبطا بمدى ولائهم للنظام واجتهادهم فى تنفيذ سياساته الهدامة، التى تمكن بها من تدمير مصر تدميرا منظماً. يقوم هذا التدمير على افتراض يقينى بأن نظام مبارك كان عصابة نذرت نفسها لتخريب مصر فى كل الميادين, وأن الحزب كان الوعاء الأكبر لجمع أكبر عدد للقيام بهذه المهمة واحتكار الثروة والسلطة بما يلزم لإنجاز هذه المهمة, وقمع المعارضين وحرمانهم من جميع المزايا الاجتماعية والمهنية والمالية, فغاص الفساد فى شرعية واسعة من أبناء مصر تبدت مظاهره فى تفاوت الحظوظ فى كل شئ بين أنصار النظام وحوارييه, وبين معارضيه. الحظر الاجتماعى والشعبى هو بديل عن الحظر السياسي, وهى أداة لدفاع المجتمع عن نفسه ضد حزب انفرد بالسلطة أربعين عاماً أفسد فيها كل شئ, وأزاحته الثورة وحكم بحل الحزب, دون توفير نية السلطة فى إزاحته حتى يفتح الطريق أمام نظام ديمقراطى جديد. والطريف أن فلول عناصر هذا الحزب تريد أن تستفيد, بعد كل هذا الإجرام, بالروح الديمقراطية الجديدة بحرية الترشيح وحرية التعبير, وهى فى الواقع حرية التدمير والتسميم, ومن حق المجتمع أن يحمى نفسه من هذا السرطان الوبيل . أما تونس والعراق فكانتا أسعد حظا من مصر، ففى تونس صدر قانون العزل السياسى لمدة عشر سنوات، وفى العراق، تغيرت سياسة واشنطن تجاه البعث بعد أن لاحظت تزايد نفوذ الشيعة وميلهم نحو إيران، فأرادت اشتراك السنة بطرق متعددة لإحداث التناسب، وبعد أن دفعت ببعض دول الخليج إلى دعم السنة، فكان قرارها استبدال قرار اجتذاذ البعث بهيئة جديدة للمصالحة. جدير بالملاحظة أن واشنطن طبقت فى العراق استراتيجية اجتثاث النازية فى ألمانيا، والنزعة العسكرية فى اليابان، ولكن واشنطن تسامحت مع البعث العراقى ليس لأنه كان طيباً وأخطأت فى اقتلاعه، ولكن بأريحيتها نحو تغليب المصالحة بين أبناء الشعب العراقى، وهى لفتة تغطى على سياساتها المعلنة بتجزئة العراق التى انعكست فى قانون الكونجرس بهذا المعنى. أما فى اليابانوألمانيا، فلا يزال العداء للنزعة العسكرية فى اليابان قائماً حتى تظل اليابان تحت المظلة الأمنية الأمريكية، كما لازال العداء للنازية قائماً لأن النازية عداء للسامية، وهو ما تدفع إليه إسرائيل بعد أحداث الرواية الإسرائيلية حول المحرقة فى ألمانيا. وليس معنى الحظر الاجتماعى والشعبى لأعضاء الحزب الوطنى أن ينتهى الحظر إذا تقرر الحظر السياسى، ولكن لكل من صور الحظر نطاقه ودواعيه، فالحظر الاجتماعى عقوبة اجتماعية، أما الحظر السياسى فهو اجراء قانونى لمنع الحزب المنحل من المشاركة فى تلويث الحياة الديمقراطية الجديدة التى أنكر على الشعب قيامها طيلة العقود الأربعة الأخيرة.