"المصالحة مع جماعة الإخوان"، ترددت مثل هذه العبارة على مدار العامين الماضيين منذ عزل الرئيس المعزول محمد مرسي، إلا أن جميع المبادرات التي باءت بالفشل، ومع ذلك عادت لتطرح الآن بقوة في أعقاب أحكام الإعدام التي صدرت ضد قيادات الجماعة، وعلى رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسي والذي حكم عليه بالإعدام في قضية الهروب من السجون إبان ثورة يناير. مطالبات المصالحة التي برزت على السطح بقوة باتت تهدد خطرًا وخوفًا حقيقيًا على القوة والأحزاب المدنية والتي بذلت كل ما في وسعها وطالبت أكثر من مرة بتدخل الجيش لعزل "الإخوان" من السلطة إلى أن تدخل الجيش في 3 يوليو وعزل الرئيس محمد مرسي. خوف القوى المدنية وتحذيرها من تحقيق أي مصالحة اعتبره مراقبون نتيجة طبيعية، لعدم تمتعها بشعبية على الساحة السياسية، ولأن حصولها على مكاسب سياسية مرتبط في الأساس بتغييب الإخوان والإسلاميين عمومًا، الذين سيطروا على أول برلمان منتخب عقب ثورة يناير. وأعرب يوسف ندا، مفوض العلاقات الدولية السابق في جماعة "الإخوان المسلمين" في رسالة له نشرت مؤخرًا عن استعداده "لاستقبال من يريد الخير لمصر وشعبها". وقال ندا "إن جهة ما طلبت منه كتابة هذه الرسالة، وإنها موجهة إلى تلك الجهة وليست إلى الإعلام"، دون أن يقدم مزيدًا من الإيضاح حول الطرف الخفي الذي كلفه بهذه التصريحات في هذا التوقيت". وتزامن ذلك مع تصريحات للشيخ راشد الغنوشي، زعيم حزب "النهضة" التونسي أبدى فيها رغبته في تدخل السعودية كطرف رئيسي في عملية المصالحة بين الإخوان والنظام المصري، وذلك على خطى إعادتها العلاقات بين مصر و"حماس" وتقريب وجهات النظر بين الطرفين، مشيرًا إلى إنه يسعى لدى قيادات الإخوان للوصول لحلول لكنه ينتظر الرد من الحكومة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي، وكذلك تدخلات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز. وطرح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح مبادرة جديدة لإنقاذ المسار السياسي في مصر كان ملخصها تشكيل حكومة كفاءات وطنية، وتعيين رئيس حكومة جديد على أن يفوض رئيس الجمهورية صلاحياته إلى رئيس الحكومة بالإضافة إلى إعادة هيكلة وزارة الداخلية والتمهيد لانتخابات رئاسية مبكرة خلال عام والإفراج عن جميع المحتجزين غير المدانين في قضايا القتل والإرهاب وإلغاء عقوبة الإعدام في الفترة الحالية كانت هذه أبرز بنود المبادرة. واستمرار لمسلسل طرح المبادرات للمصالحة مع الجماعة كشفت مصادر دبلوماسية عن "تصور إماراتي قطري"، يهدف لإيجاد تسوية للأزمة في مصر، جرى مناقشته خلال لقاء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد للإمارات العربية المتحدة مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، منهيًا أكثر من عام من الجمود في العلاقات بين الدولتين الخليجيتين، في أعقاب سحب الإمارات والسعودية والبحرين لسفرائها من الدوحة. وذكرت المصادر أن "هناك ضغوطًا سعودية تمارس ضد الإمارات من أجل الدفع في اتجاه تحقيق المصالحة في مصر، وهو ما تعاطت معه أبوظبي عبر دعوة أمير قطر لزياراتها للبحث في سبل إتمام المصالحة بين الدولة والإخوان، في ظل الصلات الوثيقة التي تجمع الدولة الخليجية بالنظام الحاكم في مصر، والتي تعتبر الداعم الأكبر له"، في المقابل، قالت إن "قطر يمكن أن تعلب دورًا كبيرًا في تحقيق المصالحة، وخاصة وأنها تمتلك نفوذًا قويًا لدى الإخوان. من جانبها، حذرت قوى وأحزاب المدنية من بينها أحزاب التجمع والاشتراكي والشيوعي المصري، الرئيس عبدالفتاح السيسي من الخضوع لأي ضغوط، أو التطوع بإجراء أي نوع من التصالح مع جماعة الإخوان أو أي من أخواتها من الجماعات الإرهابية، داعية إلى ضرورة تفعيل نصوص الدستور التي تمنع تشكيل الأحزاب على أسس دينية. وقالت تلك الأحزاب إنها تحذر السيسي من التعامل المتراخي مع رموز هذه الجماعة المتواجدين في أروقة المؤسسات الدينية أو التعليمية والإبقاء عليهم في مواقع المسؤولية،وهو الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول النوايا الحقيقية للسلطة الحاكمة تجاه هذه الجماعة ومن يواليها. وأكدت أن تراخي الدولة في مثل هذه الأمور إنما ينذر بويلات ومشكلات سياسية وأمنية كبيرة وهو ماحدث في تحالف أنظمة الحكم السابقة (السادات ومبارك) مع هذه الجماعات ، أو غض الطرف عن وجودها ومحاولة استيعابها داخل الجهاز المؤسسي للدولة. وتابعت الأحزاب في بيانها: "لم يعد خافيا على أحد الحجم الهائل من الضغوط التي تُمارس على الإدارة المصرية من أجل حملها على التصالح مع جماعة الإخوان، سواء من قبل قوى دولية معروفة، أو شخصيات وجماعات ضغط محلية". واعتبرت أن "استمرار الجماعة في حياتنا العامة، ينتج الفتن الطائفية والمذهبية،وهو الأمر الذي ينذر بتطورات خطيرة تهدد الأمن الوطني والتماسك المجتمعي"، وأضافت أن "وجود هذه الجماعات يبطئ، إن لم يوقف، التقدم السياسي والاجتماعي، كما تقطع الطريق، عبر استغلال المشاعر الدينية وشحنها، على أي محاولة لتجديد أو تطوير الفكر الديني بما يتناسب ومقتضيات العصر والواقع الراهنين". وشددت الأحزاب على "ضرورة عدم خلط الدين بالسياسة وعدم التراخي في مواجهة هذه الجماعة الإرهابية، فإنها تمد هذا الخط على استقامته، وتعلن تمسكها بذات القوة باحترام حقوق الإنسان،وعدم جواز انتهاك نصوص القانون، فيما يتعلق بالحفاظ على الكرامة الإنسانية، تحت أي دعاوى". واعتبرت أن "أية محاسبة إنما يجب أن تتم في إطار القانون والدستور".