يتساءل المصريون هذه الأيام في أعقاب اكتساح حماس للانتخابات التشريعية الفلسطينية، كيف تكون الانتخابات حرة ونزيهة تحت هيمنة الاحتلال الصهيوني أبشع وأسوء احتلال في التاريخ، بينما كانت مزورة ودموية في دولة تدعي الحرية والاستقلال مثل مصر ؟ وكيف تحترم السلطة الفلسطينية خيار المواطن الفلسطيني في ظل التنافس الشريف بين فتح وحماس، بينما يحتقر الحزب الوطني خيارات وحقوق الشعب المصري، ويصادر رأيه بالرشاوى الانتخابية والتهديد والوعيد وإطلاق القنابل والرصاص القاتل ؟ ولماذا احتجت إسرائيل على فوز الإخوان المسلمين ببعض المقاعد النيابية لدي دوائر مصرية، ولكنهم وجموا عندما اكتسحت حماس الانتخابات التشريعية الفلسطينية ؟ لماذا كانت الانتخابات المصرية سوقا للنخاسين والمتربحين والسماسرة والبلطجية، وكانت الانتخابات الفلسطينية مثالا للشفافية والعفة والطهارة رغم ضعف الحالة الاقتصادية لغالبيتهم ؟ ولماذا أجريت مناظرة راقية بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة في ظل حياد إعلامي واضح على القناة الفلسطينية وقناة العربية، بينما رفض أمراء النظام المصري عقد أي مناظرة مع الأحزاب المنافسة ولوثوا الشوارع والمؤسسات بدعاية فجة واحتكروا معظم وسائل الإعلام ؟ ولماذا لم تتخط نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المصرية 23%، بينما وصلت هذه النسبة إلى حوالي 75% في الانتخابات الفلسطينية ؟ لماذا وافقت السلطة الفلسطينية على حضور 900 مراقب شهدوا بنزاهة العملية الانتخابية بكاملها، بينما عارضت الحكومة المصرية حضور أي مراقب دولي( كما أثبت ذلك مراقبون من الاتحاد الأوربي)، واعتدت الشرطة وقوات الأمن المركزي علي كثير من القضاة ومراقبي المجتمع المدني ؟ أتعرفون لماذا ؟ يا سادة، لأن هناك فرقا كبيرا بين الشعب الفلسطيني الذي احتلت أرضه ولكن لم تحتل إرادته، والشعب المصري الذي يهيم على وجهه في أرض المحروسة، بينما إرادته محتلة ومغتصبة، هناك فرق بين شعب يضحي بفلذات كبده من أجل قضية وطن يؤمن بها إيمانه بدينه، وشعب آخر تغرق معظم نخبه إلى أذنيها في المتاجرة بمستقبل أبنائنا وأحفادنا ولا يؤمنون إلا بمصالحهم الفردية الضيقة. يقول كثيرون الشعب لديه رغبة في التغيير والإصلاح، وأقول لكم : يا سادة، الرغبة وحدها لا تكفي للتغيير، بل لابد أن تكون الرغبة قوية لتكون المحرك الأساسي للإرادة الفاعلة ، وتنتقل من مرحلة التأمل إلى القصد ومن القصد إلى العمل. هل حصل شعب في العالم على حقه المسلوب بالرغبة وحدها ؟ أبدا لم ولن يحدث، وهل تنازل استبداد عن سلطاته طواعية ؟ مستحيل. ولنتذكر أن الفرنسيين لم يتحملوا قانون الطواريء ثلاثة شهور فقط. لقد طالت غيبوبة الصمت، وعندما تطول غيبوبة الشعوب ذات الحضارة والتاريخ، قد يكون نكأ الجرح، واستخراج الصديد أحد دواعي الإنقاذ ، وربما تكون الصدمة حلا لحالته الحرجة ومرضه العضال الذي استفحل وتمكن من جسد الأمة، وقد تكون الصرخة هي الحل الأوحد لتنبيه مراكز الإحساس لمن طالت غيبوبته في غرفة الإنعاش دون استجابة، تري متى يسترد الشعب وعيه وإرادته ؟ ولأن العقل المتسائل هو حجر الزاوية في أي نهضة أي شعب، فإني أسائل العقول والضمائر التي مازالت تنبض بالحيوية: إذا لم يستنفر مشهد النهب العام لمؤسسات الدولة ومرافقها همة البؤساء والفقراء، فماذا يتبقى بعد ؟ وإذا لم يستثر بذخ المحتكرين ورفاهية اللصوص اعتراض المهمشين والمشردين المحرومين، فماذا يتبقى بعد؟ وإذا لم يستنهض مشهد الاعتقال والتلفيق والظلم صراخ الضحايا وتذمر أهلهم وأقاربهم وجيرانهم، فماذا يتبقي بعد ؟ إذا لم تستثر نزاهة الانتخابات الفلسطينية نخوة المصريين الشرفاء بكل توجهاتهم، فباطن الأرض أكرم لهم من ظاهرها. * تهنئة وأمل إنه بقدر سعادتي بالنضج السياسي والإرادة الديمقراطية التي توفرت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية وفوز روح المقاومة والممانعة ممثلة في " حماس "، بقدر ما اعتصر قلبي ألما وامتلأت نفسي حنقا وغيظا. لما قارنت .. شعرت أن الفرق كبير بين الحرية والإيمان اللتين تملكتا روح الفلسطينيين تحت الاحتلال، مقابل سيطرة غريزة القابلية للخنوع والاستعمار على كثير من المثقفين الجدد في مصر كثيرا ما يلح على هذا السؤال : ألا يتوق الناس لتحرير إرادتهم !!!! أم أننا نستحق ما نحن فيه من فساد وانحلال وتخلف ؟ ألم يحن الوقت بعد للتخلي عن السلبية والخوف واللامبالاة، ونخرج من حالة الاغتراب ؟ عندها يحق لنا أن نحلم باليوم الذي تحفر فيه الرغبة القوية للتغيير طريقا لإرادة الشعب في اقتناص حقه في العدل والكرامة والحرية ؟ أتمنى ! [email protected]