أضرب أخماسا في أسداس متخيلا المخرج المناسب من أزمة ميدان التحرير. طبعا لن يكون الحل ذلك الفيديو الساخر المركب المتداول على الهواتف المحمولة واليوتيوب ومواقع التوصل الاجتماعي، وفيه يعلن عمر سليمان بيان التنحي الشهير بالمقلوب.. أي تخلي المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن منصب رئيس الجمهورية وتكليف حسني مبارك بإدارة شؤون البلاد! ومع ذلك فالمخرج في ظل التوهان الحالي وكوارث من يسمون أنفسهم "النخبة" لن يكون أقل من حركة "شقلباظ". فلابد من خسائر كبيرة ومزيد من الفوضى الضاربة في البلاد. لا أظن أن المجلس العسكري يملك رؤية أفضل مني، ولا أيضا تلك الكائنات النخبوية التي تطل علينا طوال الليل متنقلة بين الفضائيات لتقدم وعظها ونظرياتها السياسية التي لا يتقبلها الشعب كثمن لأمنه وخبزه. دخل التلفزيون الحكومي تلك اللعبة في برنامج بثته الفضائية المصرية اسمه "مباشر من مصر" أو اسما قريبا من هذا. وظهرت في حلقته ليلة الأحد مذيعة ومذيع في حال يرثى له. لا هو فاهم ولا هي فاهمة. وأمامهم ثلاثة من النخبويين.. ممدوح حمزة وسعدالدين إبراهيم وجمال فهمي. الثلاثة اتحفونا بالمخرج ورفضوا أي مداخلة هاتفية تتقاطع معهم. وسايرتهم المذيعة "الغلبانة" والمذيع "المبتدئ" اللذان يعكسان تدهور مستوى التلفزيون المصري وافتقاده للموضوعية والاتزان والقدرات المهنية. استغربت أن يرفض حمزة المنادي بالحريات والديمقراطية مداخلة من أحد المشاهدين له رؤية مخالفة، فيتهجم عليه بشدة وهو يهز رمش عينيه أعلى وأسفل معتبرا أن المتحدث من الفلول وأنه صاحي لهم، مهددا له إذا ما استمر في الكلام سيترك مع زميليه "النخبويين" الاستديو فورا! وادهشني الحل الذي توصل إليه أستاذ العلوم السياسية الشهير سعد إبراهيم والمتمثل في منح السلطة للمجلس الأعلى للقضاء. أما جمال فهمي فقد انهمك واستهلك وقته في صب اللعنات على التيار الإسلامي لأنه حسب رأيه سبب تأييد خريطة الانتخابات البرلمانية بدلا من الدستور أولا. ترك المجال لثلاثة من تيار واحد ليهاجموا تيارا لا يمثله أحد في تلك الجلسة ليس خطأ مهنيا فحسب بل غباء من القائمين على الحلقة. وعدم محاسبتهم على هذا التقصير غباء أكبر من رؤسائهم وصولا إلى وزير الإعلام. الفوضى التي تجتاحنا سببها النخبة الذين صاروا مقررا ثابتا على المحطات التلفزيونية الخاصة وأخيرا الحكومية التي يحاول المسئولون عنها نفي أي تبعية لهم بالسلطة القائمة فيأتون بهم. جمال فهمي على سبيل المثال بقي المعلق الأوحد يوم جمعة "المطلب الوحيد" في قناة النيل للأخبار. وهو ليس "كاريزما" تلفزيونية شكلا ولم يوهب ملكة الكلام وسطحي للغاية.. فترك تحليل ما يحدث ليقوم بغارات ساذجة ضد التيار الإسلامي مستخدما ألفاظا ومصطلحات مكانها "البعكوكة"! إلى هنا تشعر بالاحباط الشديد عندما تصل لغياب تام لأي مخرج مقبول لأزمة التحرير الحالية، فالأوضاع تصير نحو اضطرار المجتمع إلى تشكيل حكومات خاصة به. كل شارع أو حي أو مدينة يستقل بحكومته وميليشياته حتى تمضي الحياة. كيف يمكن الوصول إلى حل و"النخبة" تسيطر على الإعلام وتضع كل امكاناتها للسيطرة على الدولة واخضاع إرادة المجتمع لمصالحها وتوجهاتها الخاصة؟! استقالة الحكومة لن تكون حلا. وحكومة الانقاذ الوطني المقترحة قد تقود إلى "الصوملة".. أي تكرار النموذج الصومالي عقب الاطاحة بالديكتاتور سياد بري والذي تمثل في مقاطعات مستقلة بزعاماتها ونخبتها وحروبها الأهلية والمستمرة منذ عقود وأبرز نتائجها المجاعة الحالية والأمراض. هل أصبحت مصر على مشارف الصومال؟! أدعو الله أن أكون مخطئا وأن ينهض المجلس العسكري بمسئوليته التاريخية ويعلن على الأقل تسليم السلطة في أبريل لرئيس منتخب وحكومة نابعة من لبرلمان منتخب، فقد يهدئ الخواطر التي اشتعلت نتيجة لأخطائه المنسوخة من أخطاء نظام مبارك. الاكتفاء باستقالة حكومة شرف وتشكيل حكومة بديلة بلا صلاحيات يتركنا في ذات النفق ويستهلك الجزء الباقي من أمل استمرار مصر الموحدة على قيد الحياة.