لأول مرة يحدث أن تُلقي الدولة بيانًا غير موقع بجهة محددة، ففي غالب الأمر عندما يتعلق الأمر بالعمليات الإرهابية أو الإجرامية تتحدث وزارة الداخلية في مؤتمر صحفي عن هذا الحدث، أو تُلقي بيانًا إعلاميًا مزيلًا بتوقيعها.. ولكن البيان الأخير الذي تحدث عن مخططات إرهابية لجماعة الإخوان، كان يحمل توقيع "الأجهزة الأمنية".. الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام التنبؤ بوجود أجهزة أخرى بخلاف وزارة الداخلية تعمل على استجواب قيادات الإخوان بالسجون. وكان بيان الأجهزة الأمنية، قد أكد أنه "تم رصد وإحباط مخططات تنظيم الإخوان الدولي، التي تستهدف جمع معلومات استخباراتية، وتنفيذ عمليات عدائية ضد أجهزة الدولة ومؤسساتها وشعبها، وبصفة عامة رجال الشرطة والجيش والقضاة والإعلاميين، وقيادات سياسية وشخصيات عامة". وقال البيان، إن "قيادات الإخوان في الداخل والخارج أمرت بتشكيل خلية إرهابية، لجمع معلومات استخباراتية عن أجهزة الدولة المختلفة، وإرسالها إلى التنظيم الدولي، وبعض الجهات الأجنبية، وبث أخبار كاذبة تضر بالمصالح القومية للبلاد، بجانب اختيار بعض عناصر التنظيم ممن تتوافر فيهم الخبرات في مجال الحاسب الآلي، وعمليات الاختراق الإلكتروني، لتدريبهم خارج البلاد على عمليات اختراق بعض الصفحات الخاصة لشخصيات هامة وضباط جيش وشرطة، والمواقع الرسمية للوزارات، للحصول على معلومات وبثها كمحاولة لزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة". غلق باب التفاوض بين الإخوان والدولة بشكل نهائي وبحسب مراقبون، فإن هذا البيان جاء ردًا على الحملات المتوقع أن تقوم بها بعض الدول للصلح بين جماعة الإخوان المسلمين وبين النظام، بالإضافة إلى أنه جاء في سياق تأكيد "إرهاب" جماعة الإخوان، كما يراها النظام، وتأكيد أن قيادات الجماعة تستحق تأييد الحكم بإعدامهم في ظل رفض المملكة العربية السعودية الحكم الصادر بإعدام قيادات جماعة الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي. يقول اللواء جمال أبو ذكري، الخبير الأمني، إن هناك عدة أجهزة تتعاون مع وزارة الداخلية لرصد تحركات الجماعات الإرهابية على رأس هذه الأجهزة "أمن الدولة والمخابرات"، مؤكدًا أن الدولة لن تقبل بأية طريقة الصلح مع جماعة إرهابية. واعتبر "أبو ذكري" أن البيان الصادر بتوقيع الأجهزة الأمنية جاء عندما تم رصد مخطط خطير من جانب جماعة الإخوان لتسريب معلومات تمس الأمن القومي بشكل مباشر، مؤكدًا أن وزارة الداخلية شريك أساسي في كشف هذا المخطط ولكن لا يمكن القول بأن اكتشاف هذا المخطط الإجرامي ينسب إلى الداخلية بمفردها.
أسرار إصدار بيان الأجهزة الأمنية وبخلاف إحباط أية مساعٍ للصلح مع الإخوان بقيادة دول عربية، لها فضل كبير على النظام الحالي، فإن بيان الأجهزة الأمنية، جاء لإخماد حركة جماعة الإخوان المسلمين المتوقعة في الذكرى الثانية للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، والتي كانت أول توابعها هي دعوات ثورة 8 يونيو. الأمر الآخر، رغبة النظام في توجيه ضربة موجعة لجماعة الإخوان في الداخل والخارج، مستغلًا بذلك الجرح الغائر لدى الجماعة في ظل حالة التخبط التي يمر بها التنظيم والصراع القائم بين القيادات الجديدة والقديمة. وجاء البيان قبل ساعات قليلة من زيارة الرئيس السيسي الأخيرة إلى برلين، لتكون رسالة إلى الرأي العام الخارجي بأن مصر مازالت تواجه "إرهاب الجماعة"، كما يدعي النظام، وبالتالي تخفيف وطأة الهجوم على الرئيس السيسي الذي كان على علم بخطورة هذه الزيارة فاصطحب معه لفيفًا من الفنانين قرابة 25 فنانًا مصريًا، ووفدًا إعلاميًا وصحفيًا بلغ 125، بهدف توصيل رسالة خارجية أن "الشعب المصري يرى أن ما حدث في 30 يونيو ثورة شعبية وليس انقلابًا عسكريًا".
"الداخلية" لا تنفرد باستجواب قيادات الإخوان بالسجون وكشف البيان بوضوح، عن وجود أجهزة أمنية تعمل إلى جانب وزارة الداخلية في ملف "الإخوان"، ربما تكون هذه الأجهزة سيادية، أو حساسة بالقدر الذي لم يُعلن عنها، ولم ينوه عنها التليفزيون الرسمي الذي عرض البيان مكتفيًا بذكر أنها "أجهزة أمنية". ولعّل البيان الذي ألقته "الأجهزة الأمنية"، كان غامضًا إلى حدٍ بعيد، فهو تحدث عن "مخططات إخوانية"، وخلايا إرهابية، دون الخوض في تفاصيل تلك العمليات التي تم ضبطها أو رصدها، الأمر الذي يعني أن بيان تلك الأجهزة في هذا التوقيت له أهداف أخرى "غير معلنة ولا يمكن الإعلان عنها". وفي هذا السياق، أكد الخبير الأمني ومؤلف كتاب خبراء الدم، خالد عكاشة، أن البيان الأخير للأجهزة الأمنية، غير صادر عن وزارة الداخلية، وإنما هناك أجهزة أخرى مشاركة في صياغة وكتابة هذا البيان ربما تكون "المخابرات" و"الأمن القومي". وأوضح، أن الدليل على أن هذا البيان لا تقف وراءه وزارة الداخلية منفردة، هو عدم وجود مؤتمر صحفي لإصدار هذا البيان، وعدم وجود المتحدث الرسمي للداخلية في المشهد، والمعتاد أن تُزيل وزارة الداخلية بياناتها بتوقيعها.
اكتمال النصاب القانوني لمكتب الإرشاد خلف القضبان!! وفور صدور بيان الأجهزة الأمنية، ألقي القبض على قياديين بارزين بجماعة الإخوان، وهما محمود غزلان وعبد الرحمن البر، وكان الاثنان من التيار "السلمي" داخل الإخوان، وكانا من أكثر الداعمين إلى الالتزام بالسلمية، الأمر الذي يُشير بوضوح إلى أن النظام يدفع شباب الجماعة إلى الانخراط في العنف وحمل السلاح بشكل رسمي ومعلن. وباعتقال "البر وغزلان"، اكتمل النصاب القانوني لمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، خلف القضبان، وأصبح بإمكانهم اتخاذ قرارات داخل السجون، حيث بلغ عدد أعضاء مكتب الإرشاد الموجودين في السجون 10 أعضاء هم "محمد بديع مرشد الجماعة، وخيرت الشاطر، ورشاد البيومي، ومصطفى الغنيمى، وحسام أبو بكر، ومحمد وهدان، وعصام الحداد، ومحمد علي بشر، وعبد الرحمن البر، ومحمود غزلان". بالإضافة إلى ذلك فإن هناك 10 قيادات من جماعة الإخوان، مازالت خارج السجون وهم "محمود عزت، ومحمد كمال، وعلى بطيخ، ومحمود حسين، وحسين إبراهيم، ومحيي حامد، وأسامة نصر الدين، ومحمد عبد الرحمن، ومحمد أحمد إبراهيم، وعبد العظيم أبو سيف.
الإخوان:« النظام يُحاول الوقيعة بين قياداتنا ومستمرين في ثورتنا» وفي حين وجهت أصابع الاتهام إلى القيادي بالجماعة "محمد وهدان" في إرشاد الأمن عن "عبدالرحمن البر" و"محمود غزلان"، اعتبرت الإخوان، أن "محاولات الداخلية للوقيعة بين قيادات الإخوان وبعضهم، يعلمها جيدًا شباب الجماعة في الخارج، وهم مستمرون في ثورتهم ضد هذا النظام حتى الانتهاء منه". وسارع المتحدث باسم جماعة الإخوان، محمد منتصر، إلى إخراج بيان يوضح فيه، "أن اعتقال غزلان والبر محاولة فاشلة لإرباك الثوار في شتّى ربوع الوطن ضد الطغيان والقتل والاستبداد". وأكد أن "الممارسات التي تتم ضد الإخوان لن تُثنيهم عن طريقهم في الوقوف أمام الظلم والظالمين"، و"الثورة المصرية قد أنجبت جيلًا قد اشتدّ عوده، ولن تثنيه تلك الضربات عن طريق الثورة الذي ارتضاه أن يكون مسارًا لتحرير الوطن من الخونة والعملاء"، على حد وصفه. وأضاف: «نؤكد أن تلك الضربات لن تؤثر في ثورتنا ولا في طريقها المرسوم لها، بل تجعل الثوار أكثر صلابةً وأكثر قوةً، وإن كل هذه التضحيات منّا ومن قادتنا ما هي إلا علامات على طريق النصر بإذن الله".
ملاحقة قيادات الجماعة في الخارج وبعد توجيه الضربة للجماعة في الداخل بالقبض على كل قادتها الداعمة إلى "السلمية"، لم يتبق أمام النظام إلا ملاحقة أعضاء الجماعة المتبقين في الخارج، ولاسيما أن هؤلاء الأعضاء يمُثلون "شرعية موجودة على الأرض" بالنسبة للجماعة وشبابها الذين لا يزالون يخرجون في تظاهرات تُنادي بعودة الشرعية ومرسي إلى الحكم". إضافة إلى ذلك، فإن وجود قيادات من جماعة الإخوان المسلمين في الخارج، يثير الرأي العام الخارجي ضد مصر، وبدا هذا واضحًا في تعاملات المملكة العربية السعودية التي ترفض أحكام الإعدام ضد الإخوان بالإضافة إلى زيارة الرئيس السيسي الأخيرة لألمانيا التي سادها التوتر والارتباك بسبب موقف "برلين" الرافض لإجراءات 3 يوليو وما بعدها. ومن هذا المنطلق، سافر وزير العدل، المستشار أحمد الزند، إلى السعودية، في زيارة كان المعلن لها، هو حضور اجتماع مجلس وزراء العدل العرب، في حين أن هناك أسبابًا خفية لتلك الزيارة كان أهمها "ملاحقة الإخوان بالخارج، والانفراد بوزير العدل القطري". في السياق، يقول مختار غباشي، رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن زيارة المستشار الزند للملكة العربية السعودية في هذا التوقيت، مرتبطة بحركة جماعة الإخوان، حيث قيل مؤخرًا إن هناك محاولات سعودية للصلح بين الإخوان والنظام وحدوث توافق بينهم، ويعمل وزيرا العدل والخارجية على هذا الملف ومحاولة الإيقاع بعناصر الجماعة في الخارج. وأشار "غباشي"، إلى أن توجه الملك سالمان مخالف لتوجه الملك عبدالله والضغوط التي تمارس على الدول العربية من جانب السعودية أصبحت أقل بكثير، مما كانت عليه أثناء وجود الملك عبد الله، والأمير سعود الفيصل والأمير مقرن. وأضاف، لا أعتقد أن يكون وزير العدل القطري قد وافق على جلسة جانبية مع "الزند"، وذلك لأن قطر ثابتة على موقفها الداعم للإخوان من ناحية، ومن ناحية أخرى أصبحت الضغوطات التي تمارس عليها قليلة، وبالتالي فإنه لن يكون هناك استجابة للزند حال طلبه الاجتماع بوزير العدل القطري.
«نداء الكنانة» يُربك حسابات المفتي.. ويُنقذ «مرسي» من الإعدام وعلى رأس الدول وقع علماء دين سعوديون، ضمن 150 عالم دين من "مصر وتركيا وسوريا واليمن وفلسطين والهند وباكستان وماليزيا وغيرها"، على بيان تحت مسمى "نداء الكنانة، يُنادي بضرورة التصدي للنظام الحاكم في مصر والعمل على كسره والإجهاز عليه. بالإضافة إلى "الحكام والقضاة والضباط والجنود والمفتين والإعلاميين والسياسيين، وكل من يَثْبُتُ يقينًا اشتراكُهم، ولو بالتحريض، في انتهاك الأعراض وسفك الدماء البريئة وإزهاق الأرواح بغير حق، لأن حكمهم في الشرع أنهم قتَلةٌ، تسري عليهم أحكام القاتل، ويجب القصاص منهم بضوابطه الشرعية". وسارعت وزارة الأوقاف، ومرصد التكفير التابع لدار الإفتاء، إلى إصدار بيان للرد على "نداء الكنانة"، للتأكيد على أن الموقعين على هذا البيان ليسوا من علماء الدين، فهم يدعون إلى العنف وحمل السلاح، والانقلاب على النظام وهذا ضد تعاليم الإسلام. ولأن "نداء الكنانة" ضم علماء دين لهم ثقل كل في بلاده، فإنه مثل مبعث قلق للنظام المصري، الذي سعي جاهدًا إلى إخراج مضمون بيان نداء الكنانة بأنه "تحريض واضح على العنف وحمل السلاح"، مسخرًا في ذلك كل أجهزته إلى جانب وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، والشيوخ التابعين له بما في ذلك الدعوة السلفية الذراع الدينية لحزب النزر السلفي، التي ما لبثت أن وصفت "دعوة الكنانة" بأنها "مخالفة لدعوة الأنبياء وتدعو إلى الدماء والأشلاء". وأربك "نداء الكنانة" حسابات مفتي الجمهورية، في رأيه الشرعي لإعدام مرسي وقيادات الإخوان، حيث بدا واضحًا من مد أجل الحكم على مرسي والإخوان بالإعدام إلى 16 من الشهر الجاري، حيث إن البيان موقع من قامات وعلماء دين لهم ثقلهم في مجتمعاتهم، إضافة إلى أن الكثير من هؤلاء العلماء غير منتمٍ لجماعة الإخوان، ووقع على وثيقة "نداء الكنانة" من منطلق قناعته بعدم جواز إعدام الإخوان في القضايا المتهمين فيها. في السياق نفسه، قال هاشم على إسلام، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، إن نداء الكنانة صادر عن "علماء الأمة"، الذين أعلنوا النفير، وصدعوا بكلمة الحق في وجه السلطان الجائر، بعدما استطاع هذا السلطان أن يُغيب قادة المؤسسات الدينية وأصبحوا يشرعنون الباطل ويقومون بدور الدولة الثيوقراطية في مصر التي قامت في أوروبا في القرون الوسطي. وأكد "هاشم"، أن توقيع العلماء والقامات الدينية على وثيقة "نداء الكنانة" أربك موقف "مفتي العسكر"، حسب وصفه، مؤكدًا أن هذا المفتي "قاتل" ويجب الحجر عليه، لأنه شارك في إفتائه بالقتل العمد، مضيفًا "كل الشيوخ الذين يفتون بالقتل هم قتلة". واعتبرت جماعة الإخوان المسلمين، "نداء الكنانة" بمثابة "نفرة للعلماء في مواجهة جرائم النظام في مصر، وآخرها أحكام الإعدام بحق الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي، ومئات الأبرياء من المصريين الثائرين ضد الطغيان، مؤكدة أن العلماء قاموا بواجب الفتوى الشرعية، وبيان الحق، في توصيف الحالة الإجرامية لما يحدث في مصر، وارتكاب النظام للمجازر والاعتقالات وجرائم التعذيب والاغتصاب. وأضافت الجماعة: "لقد بين العلماء الواجب الشرعي في مقاومة هذا النظام بكل الوسائل، حتى يسقط وتعود الشرعية، وبينوا حق الدفاع الشرعي عن النفس والأعراض والأموال"، مؤكدة أنها "التزمت بالواجبات الشرعية التي يوجبها عليها الإسلام، ولا تتراجع عنها، مهما كانت التضحيات".