أيام قليلة ويحل شهر رمضان الكريم، صوم وصلاة، زهد وتسامح وتكافل بين الناس، عبادات تشيع أجواء من المحبة وعلاقات المودة بينهم، تبادل للزيارات والإفطارات، وعبادة روحانيات تغمر هذا الشهر، مع امتلاء المساجد عن آخرها بالمصلين لأداء الصلوات الخمس المفروضة وصلاة التراويح. فى ظل هذه الأجواء طرحت "المصريون"، فيما يشبه "الهدنة السياسية" فى رمضان، بين طرفى الصراع- نظام، إخوان- الدائر منذ ما يقرب من عامين كاملين، تدعو لتنحية الصراع السياسى جانبًا، والتجاوز عن الخلافات، وتوقف الاعتقالات والمظاهرات وكل مظاهر الصراع السياسى فى البلاد، وتوقف وسائل الإعلام عن بث سمومها وأحقادها، تمامًا كما يحصل فى الحروب العسكرية، وحتى فى الحروب الأهلية، عندما يتوصل طرفا أو أطراف النزاع إلى اتفاق لوقف المعارك، لإعطاء الفرصة للمفاوضين لإمكانية فض الاشتباك بالطرق السلمية بعيدًا عن الاقتتال. وناشدت "المصريون" الأطراف السياسية لتبنى مثل هذه المبادرة "هدنة سياسية" خلال شهر الصوم على الأقل، كى تعطى فرصة لالتقاط الأنفاس بعيدًا عن أجواء الصراع المستمر، والاستمتاع بروحانيات الشهر الكريم، بعد أن أفسدها الصراع المشتعل منذ عامين، دون أن يتوقف ليوم واحد، وإعمال صوت العقل بعد غاب تمامًا خلال العامين الأخيرين من عمر الوطن. وفي هذا السياق، استطلعت "المصريون" آراء بعض السياسيين الذي انقسموا حول الفكرة، بين من اعتبرها "خطأ فادحًا" لما ترسمه من صورة نمطية لدى المصريين بأننا فى حالة حرب، متسائلين أين حقوق المعتقلين والشهداء؟ ومنهم من ذهب إلى اعتبار هذه الدعوة "مخابراتية"، فيما وافق الفريق الثانى على "الهدنة" لكن بآليات معينة. السفير إبراهيم يسري، وكيل وزارة الخارجية الأسبق، شكك فى طبيعة الدعوة إلى "هدنة سياسية"، واعتبرها "أمنية" وأكد أن هذه الهدن تطلقها الشئون المعنوية والأمن الوطنى فى محاولة منهما لاستدراج المواطنين البسطاء بأن النظام يحاول العمل على استقرار البلاد والغرض الحقيقى منها هو القضاء على باقى المعارضين. وأشار إلى أن "هذا النظام لا رحمة ولا إنسانية لديه وبالتالى فإن هذه الهدنة محكوم عليها بالفشل تمامًا"، واصفًا هذه الدعوات بأنها "غير صادقة وعلامة ضعف للنظام متابعا "الضغوط الدولية لن تنجح مع ذلك النظام الفاشل فى إدارة الدولة من الداخل". فيما اعتبر المستشار عماد أبوهاشم، عضو المكتب التنفيذى لحركة "قضاة من أجل مصر"، عضو "المجلس الثورى المصري"، الدعوة "خطأ فادحًا"، قائلاً: "رمضان ليس من الأشهر الحرم للمهادنة فيه، بل هو شهر الانتصارات والبطولات والمعجزات". وأضاف: "لسنا بصدد حرب للقول بالمهادنة فى رمضان، كما أن الثوار لم يطلبوا ذلك من أحد ولم يشتكوا لأحد، وأن من يدعو إلى ذلك لا يمثل إلا نفسه". وأيده الرأى محمد عبد الموجود، عضو الهيئة العليا لحزب "الوطن"، موضحًا أن "هذه الدعوات تشعرنا وكأننا فى حالة حرب بين غزة والعدو الصهيونى"، متسائلاً بلهجة ساخرة "هل الدعوة تشمل الإفراج عن أسرى أم لا"؟. وتوقع عبد الموجود بأن لا تلقى الدعوة قبولاً من الطرفين؛ لأن الأمر أصبح بحسب قوله "أكبر من مثل هذه الدعوات"، لافتًا إلى أن فى ذلك غض للطرف عن المعتقلين وأهالى الشهداء. بينما رفض محمود الدموكي، منسق "حركة 18"، المناهضة للنظام، دعوات الهدنة؛ قائلاً إن "واقف التظاهرات الداخلية يمكن الشرطة أكثر من السيطرة أكثر ومن ثم الاعتقال أكثر فى الشارع المصري". وأضاف "الداخلية لا عهد لها ولن توقف حملات الاعتقالات، وأنهم مستمرون و"مكملين" للنهاية ومستعدين للتضحية بأنفسهم من أجل خلع هذا النظام، مبررًا رفضه لهذه الدعوات بقوله إن المعتقلين فى السجون قد تيأس، وبالتالى يبقى الحال على ما هو عليه بل يطول عمر ما وصفه ب"الانقلاب". وتوعد منسق "حركة 18" باستمرار المسيرات والتظاهرات ضد ما وصفه ب "النظام الفاشي للنهاية إما النصر أو الشهادة". فيما أكد المستشار مصطفى فقير، المنسق العام لحركة "شباب 25 يناير"، أن "هناك تخوفًا من اخترق الداخلية للهدنة السياسية كما فعلت من قبل فى محمد محمود 3،2،1"، مشيرًا إلى أن هناك العديد من الشروط يجب الالتفات إليها لموافقة القوى الثورية على الهدنة السياسية، أهمها "أن يوافق عليها وزير الداخلية ونائبه ورئيس مصلحة السجون و المجلس العسكري، ويتم توقيع بروتوكول بعدم التعرض للقوى الثورية، أو المواطنين حتى لا يتم اختراق الهدنة من قبل قوات الأمن كما حدث سابقا". وأضاف، أنه أيضًا من بنود الموافقة على الهدنة أن يتم تخفيض الارتفاع الجنونى للأسعار وعودتها إلى ما قبل 2015 لتخفيف الأعباء على المواطنين، مؤكدًا أنه إذا ما تم ذلك فمن الممكن أن تستمر الهدنة إلى ما بعد رمضان وربما يتم التغاضى عن الدعوات لتظاهرات 30 يونيو". وأشار فقير، إلى أن "جماعة الإخوان قد يتم الترحيب بها فى تلك الهدنة إذا ما تنازلت عن مطالبها غير المشروعة"، لافتًا إلى أن "ذلك يعيد أفراد الجماعة إلى صفوف المواطنين مرة أخرى". واشترط المنسق العام لحركة "25 يناير"، أن "تكون هناك رقابة دولية من منظمات مجتمع مدنى شريطة ألا تنتمى إلى الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني"، مرحبًا بجامعة الدول والمنظمات الأممية، فيما رفض وجود كل من الدكتور محمد البرادعى لتواجده خارج البلاد والسياسى حمدين صباحى لتصريحاته بأنه لا يريد الانضمام إلى الحياة السياسية مرة أخري، كما رفض أيضا تواجد رجال الأعمال والأحزاب السياسية تماما لأنهم محسوبون على النظام. واقترح فقير، بعض الأسماء للمشاركة فى بروتوكول الهدنة ومنها "كمال الهلباوى لاعتباره جهة ضاغطة على الإخوان، وكمال خليل ممثل عن العمال، ومنى مينا ممثلة عن الأطباء، محمد الأشقر عن المهندسين، محمد هاشم، عن دور النشر، لطفى لبيب و أحمد عبد العزيز عن الفنانين، طارق العوضى وصلاح حجاب عن المحامين حتى لا يكون هناك أى مطالب فئوية. على الجانب الآخر، رفض اللواء جمال أبو ذكرى الخبير العسكرى بجهاز الأمن القومى الدعوة إلى "هدنة" في رمضان، قائلاً إنه من المستحيل أن يكون هناك هدنة بين النظام ومن وصفهم ب"القتلة المخربين". وأشار إلى أن "مطلقى تلك الدعوات أناس لا يفقهون فى الأمن القومي"، لافتًا إلى أن "تلك الدعوات ربما يكون الغرض منها تحذير النظام والأمن حتى يستطيع الطرف الآخر استكمال عملياته الإرهابية". وانتهى إلى القول بأن "التفاوض مع القتلة والمجرمين مرفوض تمامًا ولن يحدث مطلقًا".