بدا يلوح في الأفق حل للأزمة التي شهدتها جماعة الإخوان المسلمين مؤخرًا بين صقور الجماعة الممثلين لأعضاء مكتب الإرشاد السابق لأحداث 30 يونيو، وبين المكتب الجديد الذي يمثل أغلبيته جيل الشباب "الثوري"، بعد اتجاه وسطاء من داخل الجماعة ومقربين منها إلى إجراء انتخابات جديدة لمكتب الإرشاد، يتنحى فيها طرفا النزاع، والدفع بوجوه جديدة. وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن الأزمة الحالية التي تضرب الإخوان قد بدأت بسبب الخلاف حول السلمية والعنف، ورفض قيادات الجماعة للمسار الحركي الذي يتبعه الشباب في مواجهة النظام فإن المسألة تبدو أعمق من ذلك بكثير، في وقت تدخلت فيه السلطة على خط الأزمة عبر اعتقال قيادات جبهة صقور الإخوان. وتعود الأزمة الحالية قبل حوالي عام ونصف حين تم إجراء انتخابات داخلية على مستوى مجلس الشورى العام للإخوان في فبراير 2014 من أجل اختيار لجنة لإدارة الأزمة. أسفرت الانتخابات عن اختيار مجموعة من القيادات الجديدة مع الإبقاء على المرشد الحالي للجماعة الدكتور محمد بديع، وتعيين أمين عام جديد للجماعة وانتخاب مكتب خارجي لإدارة شؤون الجماعة في الخارج برئاسة الدكتور أحمد عبدالرحمن، كما تم تصعيد العديد من الرموز الشبابية داخل الهيكل الإداري للجماعة، وتم اختيار متحدث جديد باسم الجماعة. لم تعجب التغيرات القيادات التاريخية للجماعة، خاصة تلك الموجودة خارج السجون، فقامت قبل أيام بعقد اجتماع لأعضاء مكتب الإرشاد القدامى من غير المعتقلين وأصدرت بيانًا رفضت فيه التغييرات التي جرت والاستراتيجية التي يتم اتباعها في مواجهة النظام المصري، وأعلنت أنها المسؤولة عن إدارة شؤون الجماعة. ليرد بعد ذلك محمد منتصر، متحدث الجماعة ببيان يؤكد فيه أن الجماعة لن تعود للخلف - في إشارة لانتخابات مكتب الإرشاد التي جرت العام الماضي- وأن المنهج الثوري للإخوان لا مناص منه. بعد أيام قليلة من الخلاف، اعتقلت قوات الأمن غالبية قيادات طرف الصراع الأول، في محاولة وصفها مراقبون أن قوات الأمن تسعى لترجيح كفة على أخرى. وتتبنى كفة مكتب الإرشاد السابق، وعلى رأسها محمود عزت، نائب المرشد السابق، ومحمود حسين، عضو مكتب الإرشاد، والقياديان المعتقلان مؤخرًا: محمود غزلان وعبد الرحمن البر، التمسك بالسلمية، في حين أن القيادة الجديدة ترى أن المنهج الثوري هو الأفضل لإدارة الأزمة الراهنة. وفسَّر قيادي إخواني - فضَّل عدم ذكر اسمه - اعتقال غزلان والبر ووهدان بمحاولة من جانب الأجهزة الأمنية لإثارة الشباب وحثهم على تبنى استراتيجية هجومية كي تملك المبرر الكافي لاستمرار القمع لكل مشارك في الحراك الحالى سواء من الإخوان أم لا. وأضاف القيادي ل"المصريون" أن هذا لا يعني مطلقًا أن ظروف اعتقال البر وغزلان مرتبطة بهذا التوجه لدى الأجهزة الأمنية، والأمر لا يعنى سوى توافر كامل المعلومات عن أماكن تواجد القيادتين في هذا التوقيت. وأشار القيادي إلى أن البعض يرجح أن يكون كشف مكانهما من نتائج اعتقال طه وهدان، حيث تعرض للتعذيب الشديد للإدلاء بمعلومات حول أماكن اختفاء بقية القيادات. وأوضح القيادي أن خيار الإدارة الحالية المنتخبة للإخوان هو المقاومة والقصاص، موضحًا أن القصاص هنا هذا ليس عنفًا، بينما الأجهزة الأمنية تسعى جاهدة لإثارة عموم الشباب الثوري وعلى رأسهم شباب الإخوان والقوى الإسلامية الأخرى. وتابع أن هدف الإثارة تصعيد أكبر من جانب الشباب حتى يتبنوا به خيار العنف والفارق واضح جدًا، فالعنف سينتج من ضرب عشوائي لأهداف على أساس الهوية أو الانتماء للنظام دونما تيقن من ارتكابها لجرائم في حق الثوار أم لا. من جانبه، أكد أحمد رامي، القيادي بحزب الحرية والعدالة، أنه من الناحية العملية القبض على البر وغزلان لا يترتب عليه ارتباك في العمل، حيث إن أيًا منهما لا يمارس أي دور منذ فض رابعة. وأشار رامي إلى أن الأثر المعنوي لاعتقالهما هو الباقي، الذي سيتجاوزه الإخوان كما تجاوزوا ما هو أقسي من ذلك بكثير. وقال رامي، إن هناك توصية لكل أفراد الإخوان وخاصة المتعاملين مع الإعلام بعدم الخوض في موضوع الخلاف الداخلي للجماعة إلى أن يتم الانتهاء من جهود تتم الآن لتقريب وجهات النظر، مشيرًا إلى أن هناك قرارًا بأن ما ينشر على نوافذ الجماعة الإعلامية ومتحدثها الرسمى هو ما يعبر عن مواقف الجماعة الرسمية. محمد سودان، أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، قال إن الأزمة الأخيرة التي شهدتها جماعة الإخوان المسلمين في طريقها للحل، وأن الاجتماعات قائمة للخروج من أزمة مكتب الإرشاد. وأضاف "سودان" في تصريحات ل"المصريون" أن نتائج اجتماع اسطنبول الذي عقد مطلع الأسبوع الماضي بين ما يقرب من 25 قياديًا بجماعة الإخوان المسلمين، أنهى أزمة الإرشاد. وأشار سودان إلى أنه ليس المهم الآن من سيكون المرشد بقدر أنه تهدئة الأوضاع لحين عمل انتخابات تحسم الأمر، وأن أي خلاف الآن خطر على الجميع. وتابع: "ثقتي بالله ثم في حكماء الإخوان وقاداتها في الخارج والداخل كبيرة وسرعان ما سينتهي هذا الخلاف إن شاء الله". وتسبب آخر مقالات البر، في خلاف مع شباب الإخوان حول الاستمساك بالسلمية، إذ قال: "أيها الثوار الأحرار، إنَّ ثباتَكم وصُمودَكم واستمساكَكم بالحقِّ، واستمرارَكم في ثورتِكم السلميةِ، وإبداعَكم في حراكِكم الرائعِ؛ لهو في ذاته نصرٌ مبينٌ، وإرهاصٌ وبشيرٌ بالنصرِ العظيمِ للخيرِ على الشرِّ، وللحقِّ على الباطلِ، وللحضارة على الهمجية". وحكم على البر بالإعدام في قضية قطع طريق قليوب ضمن آخرين، وغزلان هو الأمين العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين خلفًا لإبراهيم شرف وظل في موقعه حتى اعتقاله في نهاية 2001 وإحالته للمحاكمة العسكرية. وشغل منصب المتحدث الرسمي للجماعة، وتم إلغاء منصبه كمتحدث للجماعة بعد تصريحات أثارت الجدل، واختير بعده كل من أحمد عارف وياسر محرز كمتحدثين باسم التنظيم". وتشهد الجماعة صراعًا بين فريقين يدعي كل منهما حقه في إدارة الجماعة، يضم الفريق الأول أعضاء مكتب الإرشاد الذي كان يدير الجماعة قبل 30 يونيو، ويتزعمه محمود عزت النائب الأول السابق لمرشد الإخوان ومحمود حسين الأمين العام السابق للجماعة (المقيم في تركيا)، ومحمود غزلان المتحدث السابق باسم الجماعة، وعبد الرحمن البر الملقب بمفتي الجماعة، ومحمد طه وهدان مسئول لجنة التربية في الجماعة. ويأتي على رأس الفريق الثاني أعضاء مكتب الإرشاد الذي تم انتخابه في فبراير 2014، ويتزعمه محمد كمال مسئول الإخوان في جنوب الصعيد (الذي يتردد أنه القائم بأعمال مرشد الجماعة)، ومحمد سعد عليوة مسئول الإخوان بالجيزة، وحسين إبراهيم الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، وعلي بطيخ عضو مجلس شورى الجماعة.