في سنوات سابقة وبعد احتلال العراق أعلن بايدن عن مخططه الخطير لتقسيم العراق، ووسط ازدراء ورفض الكثير من العراقيين تَمَّ إيقاف هذا المخطط وتأجيله لسنوات, وربما اليوم تهيَّأت في العراق الأرض الخصبة لتحقيق هذا المخطط، خاصَّة إذا ما رأينا أن بعض محافظات العراق صارت تطالب هي بالانفصال عن حكومة المالكي الطائفيَّة العنصريَّة, فعلى إثر إعلان الرئيس الأمريكي أوباما عن قرار حكومته الرحيل عن العراق قام المالكي بإصدار أوامره باعتقال الكثير من العراقيين في محافظات العراق، وخاصَّة في محافظة صلاح الدين في شمال العراق والقريبة من إقليم كردستان، والحجة في الاعتقال أنهم يتآمرون على المالكي. الأوامر صدرت من هيئة تسمى هيئة المساءلة والعدالة، وهي هيئة لا تمتّ للعدالة بشيء، ويرجع تاريخ تأسيسها إلى الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر، فقد حلَّ حزب البعث الذي كان يقوده الرئيس السابق صدام حسين، بعد دخول القوات الأمريكيَّة إلى العراق سنة 2003 وشكَّل لجنة اسمها "لجنة اجتثاث البعث" ثم تَمَّ تغيير اسمها إلى هيئة المساءلة والعدالة، كما أصدر في مايو 2003 قرارًا بحلّ الجيش العراقي مع المؤسَّسات التابعة له. هذه الهيئة بأوامر من المالكي أصدرت قرارًا باعتقال 30 شخصًا مؤخرًا من قياديي حزب البعث وضباط سابقين في تكريت مركز محافظة صلاح الدين في حملة شملت أكثر من 600 آخرين في ست محافظات عراقيَّة بتهمة محاولة الاستيلاء على السلطة بعد خروج القوات الأمريكيَّة بنهاية العام الحالي، هذا الأمر إضافة إلى وجود أسباب أخرى صرَّح بها رئيس مجلس شيوخ صلاح الدين خميس ناجي جبارة موضحًا أن أسباب طلب محافظة صلاح الدين بأن تكون إقليمًا مستقلًّا جاء على خلفيَّة إدراج أسماء عدد من موظفي مصافي نفط الشمال وجامعة تكريت ومؤسَّسات أخرى وردت أسماؤهم ضمن قوائم سيحالون بموجبها إلى التقاعد أو الطرد من وظائفهم"، مبينًا أن ذلك "يعني خسارة تلك المؤسَّسات لعدد غير قليل من الموظفين من ذوي الخبرة بسبب عملهم في دوائر أمنيَّة أو ديوان الرئاسة المنحل". معللًا اتخاذ مجلس المحافظة هذا القرار بعدة أسباب ومنها أنه أصبح المسئول عاجزًا عن قناعة مواطنين صلاح الدين بتقديم الخدمات، وأخذ أموال من الموازنة المخصَّصة للمحافظة إلى المحافظات الأخرى، كما حصل في موازنة العام الحالي بأخذ (213) مليارًا، وكذلك في ميزانية (2010) خصّصت المحافظة ب (11) ألف وظيفة ولم تحصل صلاح الدين إلا على (130) درجة، وغيرها من الأسباب. وكان مجلس محافظة الأنبار قد قدم طلبًا إلى حكومة المالكي بعد أن اجتمع أعضاء مجلس هذه المحافظة، وتلا نائب رئيس المجلس سبهان الملا جياد بيانًا أكَّد فيه أنه «وبسبب سياسة الحكومة المركزيَّة اللا مسئولة ضد أبناء محافظة صلاح الدين، وعمليات الإقصاء والتهميش التي تستهدفهم، فضلًا عن حرمان أبناء المحافظة من استحقاقاتهم الوطنيَّة في المجال السياسي والاقتصادي، فإن مجلس المحافظة صوَّت بإجماع الحضور على المضيِّ بجعل المحافظة إقليمًا مستقلًّا، وأفاد بأن "20 عضوًا حضروا الاجتماع، من أصل 28، فيما تغيب ممثلو ائتلاف دولة القانون، وعدد آخر من الأعضاء عن الاجتماع، من دون معرفة الأسباب". وقد أعلن أمين سرّ مجلس المحافظة نيازي معمار أوغلو في بيان أن المجلس "سيفاتح الحكومة المركزيَّة بشأن تنفيذ القرار، وسيعمل على قيام الإقليم الإداري والاقتصادي"، والذي صوّت عليه أكثر من ثلثي أعضاء المجلس، وقال أوغلو في مؤتمر صحفي: إن التصويت "تَمَّ بغياب ممثلي ائتلاف دولة القانون". وجاء لأسباب عديدة، هي عدم إعطاء الحكومة المركزيَّة للمحافظة الصلاحيات الدستوريَّة والقانونيَّة المطابقة لمجالس المحافظات، وفق القانون 21 لسنة 2008، ومنح المحافظة استحقاقها من التخصيصات الماليَّة وفق الدرجات الوظيفيَّة المقرَّرة للمحافظات، فضلًا عن سياسة الإقصاء والتهميش والاعتقالات العشوائيَّة المستمرَّة من دون سبب قانوني، والاستملاكات المستمرَّة حول الإمامين العسكريين في سامراء لأسباب طائفيَّة، والتي تؤدي إلى تغييرات ديموغرافيَّة في المدينة، مما يتعارض مع أحكام الدستور. وأضاف أمين عام مجلس محافظة صلاح الدين أن "فقدان التوازنات للمناصب الحكوميَّة والأجهزة الأمنيَّة وتعدد القيادات الأمنيَّة المرتبطة بالمركز، والتي تنفذ سياسات المركز دون الرجوع إلى الحكومة المحليَّة، من أسباب إعلان الإقليم أيضًا"، مشيرًا إلى "عدم تحقق المصالحة الوطنيَّة التي وعدت الحكومة بها، على الرغم من وجود وزارة لهذا الغرض، والتعاون الكلي من حكومة صلاح الدين مع الحكومة المركزيَّة طيلة هذه المدة". في حال رفض حكومة المالكي لطلب محافظة صلاح الدين بالانفصال سيلجأ مجلس المحافظة إلى المحكمة الاتحاديَّة في العراق، وقد صرَّح بذلك نائب عن القائمة العراقيَّة بأن يلجأ مجلس صلاح الدين إلى المحكمة الاتحاديَّة في حال رفض مجلس الوزراء طلب المحافظة تشكيل الإقليم. وقال النائب مطشر السامرائي: إن " مجلس الوزراء إذا أصرَّ على رفض طلب مجلس صلاح الدين بإعلان المحافظة إقليمًا فسيلجأ الأخير إلى المحكمة الاتحاديَّة؛ لأنها هي صاحبة القول الفصل في فض النزاعات بين السلطات". وأضاف: إن "رفض مجلس الوزراء لطلب مجلس المحافظة هو بالأساس مخالف للدستور لأن قانون تشكيل الأقاليم واضح ولا لبس فيه، والذي نص على أن العراق بلد اتحادي فيدرالي، لذا فإن إبداء الآراء بهذا الجانب لا يقبل جدلا". وأشار النائب عن محافظة صلاح الدين إلى أن " قانون الأقاليم بيَّن صراحةً أن طرق تشكيل الإقليم تكون من خلال ثلاث طرق؛ الأولى دمج ثلاث محافظات كما هو الحال في إقليم كردستان المؤلف من ثلاث محافظات أو انضمام محافظة إلى إقليم موجود أو أن تكون المحافظة إقليمًا وحدها "مشيرًا إلى " رغبة مجلس صلاح الدين وأهالي المحافظة في تشكيل إقليم مستقلّ وعدم الانضمام إلى أي إقليم". ولعلَّ مطالبة محافظة صلاح الدين بالانفصال عن حكومة المالكي هو بداية فعليَّة لمخطط تقسيم العراق، خاصَّة في ضوء وجود حكومة طائفيَّة قتلت وشردت الكثيرين من أبناء سنَّة العراق الذين يحاولون أن يجدوا لهم ملاذًا آمنًا بعيدًا عن طائفيَّة المالكي وزبانيته.. ولكن الثمن باهظ وباهظ جدًّا وهو تقسيم بلاد الرافدين.