حاولت الحكومة التعبير عن الوفاء لشهداء ثورة يناير فقررت إطلاق أسماء الشهداء على الشوارع خاصة التى يقطنون بها .. الا ان د. على عبد الرحمن محافظ الجيزة يبدو أنه عز عليه إطلاق اسم الشهيد زياد بكير على الشارع الذى كان يقيم به حتى استشهاده، وفى محاولة منا للوصول إلى سبب هذا التعنت كان علينا الرجوع إلى السيرة الذاتية لكل من الشهيد زياد ومحافظ الجيزة حتى يتبين لنا من هو أحق بإطلاق اسم الشارع عليه. الشهيد زياد هو مهندس جرافيك, تستطيع أن تتعرف على " رومانسيته " من خلال تعلقه بحبه للفنون خاصة الموسيقى, وعلى " ثوريته " من خلال آرائه الحرة وقد سبق أن كتب لنا منذ سنوات عن احتجاجه عندما قام مبارك بتخصيص موقع على حدود ليبيا لمشاهدة خسوف القمر, وقرر مبارك طرد السياح والزائرين حتى يتسنى له المشاهدة هو وأسرته فقط, واحتج الشهيد زياد وقتها ونشرنا له رأيه الشجاع .. إضافة إلى ريادته فى ثورة 25 يناير منذ بذورها حتى استشهاده. أما خلقه القويم فتستطيع أن تتعرف عليه من خلال سلوكه وأدبه وتدينه وأسرته الطيبة, أما ثقافته فتتعرف عليها من خلال مكتبته الخاصة وشغفه بالقراءة فى كافة العلوم خاصة أنه يجيد خمس لغات أجنبية بجانب اللغة العربية .. ونعتقد أن كل هذه الصفات قلّ أن تجتمع فى شخص واحد ولكنها اجتمعت فى الشهيد زياد ورغم أن الشهيد زياد كان من أسرة حالها ميسور إلى حدًا ما, ومقيم فى حى راق وهو حى المهندسين إلا أنه كان رافضًا للظلم وتشعر بأنه من أى حى شعبى فى مصر ومن جسد كل سواد الشعب. ويبدو أنه بحجم تميزه كانت قوة الغدر من النظام الفاسد الذى حاول أن يدافع عن نفسه بكل الطرق والسبل والأساليب بما فيها القتل البشع والانتقام اللا إنسانى .. فلم يكتفوا بإطلاق الرصاص على رأس زياد وعلى صدره, بل شوهوا جسده وداسوا عليه بالسيارات الكاسحة. بحثت أسرة زياد عن ابنها فى كل المستشفيات وغيرها من الأماكن المحتمل وجوده بها وتوجهت إلى المشرحة فلم تتعرف على جثته, وكانت على أمل أن يعود الابن إليها خاصة أنها كان يأتى إليها اتصالات كل يوم تطمأنهم عليه, وأنه بخير, وهو محتجز فى أحد المعسكرات لحين انتهاء التحقيقات ثم يعود إلى منزله. ظل هذا الكذب الخسيس لمدة 43 يومًا متواصلة إلى أن عرفت كل أسر الشهداء أبناءهم ويأست أسرة زياد من هذا الكذب، فتوجهت إلى المشرحة مرة أخرى ولم تجد سوى ثلاث جثث مشوهة اقتربت شقيقته الصغرى وشكّت فى إحدى الجثث حيث توجد علامة فى الساق كانت إثر حادث بسيط وهو يلهو على دراجته معها أثناء طفولته .. قرر الأب المكلوم عمل تحاليل ال "دى إن إيه", وهو يتمنى أن تكون نتائج التحاليل خاطئة .. إلا أن نتائج التحاليل جاءت لتؤكد أن الجثمان المشوه فى المشرحة هو لابنه الشهيد زياد. ظلت الروح الطاهرة ترفرف على الوطن, وتأمل أن ترجع ما قدمته بالخير للبلاد, ومع تغييرات حركة المحافظين للظروف السياسية بعد الثورة تم اختيار الدكتور على عبد الرحمن محافظًا للجيزة. تاريخ المحافظ يقول إنه رأس جامعة القاهرة ضمن منظومة الحزب الوطنى واختياراته, وغنى عن التعريف، إن جامعة القاهرة فى هذا العهد خرجت من كل التصنيفات العالمية من الجامعات المعترف بها لسوء مستواها. وكان المذكور مقربًا من الرئيس المخلوع مبارك وبشكل شخصى .. ولعل ما أوضحه د. محمد الكحلاوى - أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة وأمين عام اتحاد الآثاريين العرب - أنه عندما احترق مبنى مجلس الشورى قرر اتحاد الآثاريين العرب ترميم المبنى مجاناً, خاصة أنه مبنى أثرى متميز ويحمل ذكرى وقائع تاريخية وأحداث وطنية مهمة .. إلا أن مبارك قرر إسناد ترميمه للدكتور على عبد الرحمن بصفته استشاريًا, وطبعًا بتكاليف من "تكية" المال السائب والأغداق فى عهد مبارك. المؤكد أن كثيرًا من المحافظين الذين تولوا مناصبهم يعرفون جيدًا أنه لولا الثورة لما أتت إليهم تلك المناصب .. بينما د. على عبد الرحمن كان يشعر وبثقة أنه أيضاً لو استمر نظام مبارك لأتى به ! .. ولعل هذا خلق لديه شعورًا دفين بعدم ولائه للثورة أو تكريم رموزها .. وربما كان هذا السبب الأقرب للمنطق فى عدم تلبية طلب جموع الشعب بإطلاق أسماء الشهداء على الشوارع .. وهذا أقل أقل تقدير. ومن هنا ربما أيضًا نجد تغيير اسم الشارع الذى كان يقطن فيه زياد وهو شارع المحروسة ليصبح شارع الدكتور على عبد الرحمن محافظ الجيزة .. وقد يفسر المحافظ السبب بأن المحروسة هى جدته، وهو الوريث الوحيد للشارع، ومن حقه أن يطلق عليه أى اسم يريده، ومازال المحافظ فى موقعه!.