بخطيً ثابتة نسير إلي حافة الهاوية ربما عن قصد أو عن دون قصد لكن يبدو أن هناك من يسعى بكل قوة لعيد استحضار مشهد من الماضي ويقنعنا بأن التاريخ يعيد نفسه مرتين في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة كما يقول كارل ماركس للأسف باتت تلك مقولة حقيقة في مصر فما أشبه الليلة بالبارحة مشاهد كثيرة تعيد للأذهان بدايات الحقبة الناصرية سواء لمن قرأ عنها أو عايشها فالأمر أصبح غريباً.. في كل بلاد العالم الزمن يتقدم إلي الأمام وفي مصر ربما يعود إلي الوراء فيبدو أن القائمين علي الحكم لديهم نستولوجيا لكنهم لم يقرئوا المشهد حتي نهايته فعبد الناصر نفسه قد أنهي حقبته ببيان 30 مارس. عقب ثورة 23 يوليو 1952 قام القائمين علي الحكم آن ذاك بإنشاء ثلاث محاكم استثنائية وهي محكمة الغدر و محكمة الثورة التي تحولت في وقت لاحق إلي محكمة أمن الدولة العليا كما تم استدعاء المحاكمات العسكري للمدنيين في بعض الحالات وكانت لكل محكمة منهم صولات في الأحكام. طالت في تلك الفترة المحاكمات فصيلين سياسيين كانا الأبرز في المحاكمات وهم الشيوعيين و الإخوان فكان يوم 12 أغسطس بداية 1952 الأمر حينما قامت إدارة مصنع كفر الدوار بنقل مجموعة من العمال من المصانع إلى كوم حمادة بدون إبداء أسباب وأعلن العمال إضرابهم عن العمل وقاموا بوقفة احتجاجية لإعلان مطالبهم لحركة للجيش و ننددو بنقل العمال وتدني الأجور والحوافز وتدهور سكن العمال فتم القبض على مئات العمال وتم محاكمتهم عسكرياً في محاكمة برئاسة عبد المنعم أمين وجمال عبد الناصر وزير الداخلية في ذلك الوقت واتهم العمال بالقيام بأعمال التخريب والشغب وكان من ضمن المتهمين طفل عمره 11 عام وتم الحكم علي العامل محمد مصطفى خميس و محمد عبد الرحمن البقري بالإعدام. وعقب محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تم محاكمة قيادات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية و الحكم علي عدد من قيادتهم بالإعدام في محاكمة عسكري وهم محمد فرغلي ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب وهنداوي دوير ومحمود عبد اللطيف وتم إعدامهم في 7 ديسمبر 1954. و أعاد المشهد نصف في هذه الأيام حينما عادت المحاكمات العسكري للمدنيين و تم انشاء دائرة خاصة لجرائم الارهاب في القضاء المدني وارتفعت اعداد المحكوم عليهم بالإعدام إلي أرقام مهولة و قامت المحكمة الادارية العليا بإحالة 3 مسئولين بالوحدة المحلية بقرية قورص مركز أشمون إلى المعاش وتأجيل ترقية 14 آخرين لمدة عامين من تاريخ استحقاقها بسبب اضرابهم عن العمل والذي اعتبرته في حيثيات حكمها بأنه جريمة جنائية ومخالف للشريعة الإسلامية. ولم تتوقف المفارقات التاريخية عند ذلك ففي يوم 16 يناير عام 1953 قامت قيادة الثورة بحل الأحزاب و مصادرة أموالها ومقراتها وفي عام 54 صدر قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وفي عام 2013 صدر قرار بحظر انشطة جماعة الإخوان المسلمين التي صنفت بعد ذلك كجماعة إرهابية وفي يوم 28 ابريل 2014 قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بوقف وحظر أنشطة حركة 6إبريل، والتحفظ على مقارها بجميع محافظات الجمهورية، وفي يوم 16 مايو 2015 قضت محكمة مستأنف القاهرة للأمور المستعجلة بحظر روابط الألتراس على مستوى الجمهورية. ولم يتبقي إلا الأحزاب لكي يكون مشهد الماضي حاضراً بتفاصيله و هو ما قد يحدث إذا حكمت المحكمة الادارية العليا في الدعوي المقامة من توفيق عكاشة و المحامي خالد سليمان بحل 90 حزب كما ان هناك دعوي أخري لحل حزب النور لقيامه علي اساس ديني وفقاً لمقيم الدعوي. في تلك الفترة نشأت مراكز القوي و انتشر المثل القائل "الحيطان لها ودان" فبات الجميع يخشون ان يتحدثوا في أي أمر يخص الدولة أو الرئيس لأنهم يعلمون أن مصيرهم سيكون المعتقلات كما صورها عدد من الأفلام التي أرخت لتلك الفترة الزمنية منها الكرنك و احنا بتوع الاتوبيس. ومنذ فترة ليست بالبعيدة ناشدت وزارة الداخلية في بيان لها وفقاً للمصري اليوم المواطنين بالابلاغ عن الإرهابيين ولا أعرف صراحتاً هل المواطن يستطيع ان يحدد من هو إرهابي و هل سيعلن الإرهابي عن نفس للمواطن أم ان تلك الدعوة ستفتح باب لعمل المواطنين كمرشدين علي بعضهم البعض وان كل من لديه ضغينه لأحد سيبلغ عن كما استكمل الدعوة اللواء محمد نور الدين مساعد وزير الداخلية الأسبق في تصريح له في اليوم السابع طالب المواطنين بالأمر نفسه و أن يكون لديهم حس أمني. ولم يتوقف الأمر عند ذلك فمشهد الكرنك و احنا بتوع الاتوبيس حضر أكثر من مرة في حالات توفيت داخل الحجز وقيل انها إما بسبب الازدحام كما لدينا حالة إسلام طالب كلية الهندسة الذي اعلنت الداخلية مقتله في اشتباكات وثبت انه تم اختطافه من داخل الجامعة. في تلك الفترة اتخذ الإعلام خط دعم الرئيس في كل شيء لم يوجه له النقد وظن الإعلام بذلك انه يخدم مصالح الدولة حتى انتهي الأمر بنكسة 67 واليوم لدينا في الإعلام من يهاجمون و يصفون كل من يعارض او ينتقد بالخيانة أو العمالة أو دعم الإرهاب. في تلك الفترة انتشرت الأغاني الوطنية الخاصة بالعندليب عبد الحليم حافظ و أم كلثوم في أوقات السلم و الحرب و اليوم عادت أغاني الحرب لتملاُ الاذاعات. ربما أكون مخطئاً وأن تكون كل تلك هواجس مني وأننا لا نعيش مشهد سريالي و كوميدا سوداء ربما يكون القائمين علي الحكم لا يسعون لذلك لكن هناك من يصدر لنا ذلك المشهد بشكل عبقري ونسي أو تناسي ما ألت إليه الأمور ونسي قضية انحراف المخابرات ومحاكمة صلاح نصر ونسي أخر كلمات للرئيس الراحل جمال عبد الناصر في بيان 30 مارس حينما قال إن العمل السياسى لا يقوم به الملائكة وإنما يقوم به البشر، والقيادة السياسية ليست سيفاً بتاراً قاطعاً، وإنما هى عملية موازنة وعملية اختيار بعد الموازنة، والموازنة دائماً بين احتمالات مختلفة، والاختيار فى كثير من الظروف بين مخاطر محسوبة. ولقد تجاوزت الأمور حد ما يمكن قبوله بعد النكسة؛ لأن مراكز القوى وقفت فى طريق عملية التصحيح خوفاً من ضياع نفوذها، ومن انكشاف ما كان خافياً من تصرفاتها. وكان ذلك لو ترك وشأنه كفيلاً بتهديد جبهة الصمود الشعبى؛ ولذلك فلقد كان واجباً - بصرف النظر عن أى اعتبار- تصفية مراكز القوى، ولم تكن تلك بالمسألة السهلة إزاء المواقع التى كانت تحتلها مراكز القوى، وفى إطار الظروف الدقيقة التى كان يعيشها الوطن.