تأخرت في كتابة هذا المقال بسبب ما أصابني من حيرة حول أولوية المواضيع : هل أستكمل مناقشة التطورات الجارية في قضية الملف النووي الإيراني والذي تناولته الأسبوع الماضي ؟ أم أعود إلى الزلزال الذي أوقعته حماس في المنطقة ، والذي تناولته قبيل الانتخابات الفلسطينية ؟ أم أخوض في إساءات الصحافة الأوربية لرسولنا الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام؟ فالقضايا كلها هامة ويجمعها الحديث الأزلي الذي تنبأ فيه رسولنا الكريم بما ستؤول إليه أوضاع المسلمين الذين تتكاثر شعوبهم كما وتتدنى نوعا ، حتى أصبحوا مجرد غثاء أو فقاقيع .. أصابهم الوهن فأحبوا الدنيا وكرهوا الموت ، فنزع الله المهابة من قلوب أعدائهم. نعم نحن أمة لا تحترم ذاتها، ومن لا يحترم نفسه يستحيل أن يفرض إحترامه على أحد. والإنسان الهزؤ يدفع خصومه إلى الاستهزاء به وبكل ما يمثله. كيف نصف بلدا أدمن حكامه تزوير إنتخاباته على مدى ثلاثة عقود ، ووصل الأمر إلى حد التبجح في التزوير والإغلاق المتعمد للجان الانتخاب وإصدار أوامر للقضاة بالتزوير؟ من في العالم يمكن أن يحترم بلدا كهذه ؟ بالطبع هناك أسباب أخرى وراء ما نشر من رسوم ساخرة ضد سيدنا محمد ، مثل العنصرية الأوربية والأحقاد التاريخية والجهل بحقيقة الإسلام وشخصية رسوله. ولكن كل هذه الأسباب يعود أصلها في النهاية إلى ضياع هيبة واحترام المسلمين. كان الأوربيون في الماضي ينفّسون عن عنصريتهم ضد اليهود. اليوم اليهود لهم ظهر قوي يستندون إليه ، وكل من يسئ إليهم يعرف أنه سيخسر الكثير. الجماعة الوحيدة التي لا ظهر لها تستند إليه ، والتي يمكن لأي حاقد عنصري أن يستبيحها دون الخوف من أية عاقبة ، هم مسلمو أوربا (من منا يذكرمسلمي البوسنه الذين تواطأ عليها مع الصرب دول الترويكا الشهيرة). في إسرائيل الحاكم محترم لأنه يحترم شعبه. أما الحاكم الذي يحتقر شعبه ، ويعجز الشعب عن ردعه ، فماذا عليه أن ينتظر من أعدائه ؟ ثم من هو الطرف المسئول عن جهل الأوربيين بالإسلام ورسوله ؟ ألسنا نحن الذين خذلنا رسولنا بالتقاعس عن تبليغ دعوته إلى العالم أجمع ؟ ألسنا نحن المسلمين الذين نرفض إتقان لغات أعدائنا، وبالذات الإنجليزية ، فتكون النتيجة هي ترك الساحة الإعلامية مفتوحة لكي يعربد فيها الصهاينة وأتباعهم من العنصريين الحاقدين؟ وعندما تخرج الاستطلاعات بأن 90% من شعب الدنمارك يرفض أن تقوم الجريدة المسيئة أو رئيس وزرائهم بالاعتذار للمسلمين ، هل هذا ذنبهم أم ذنبنا نحن الذين تركنا عقولهم فريسة لأكاذيب وإفتراءات الصهاينة عن الإسلام؟ لقد ظل المغفور له مصطفى العقاد طوال عقد كامل يبحث عن ممول عربي لإنتاج فيلم عالمي عن صلاح الدين الأيوبي ، يبرز فيه كل ما يرتبط بالقدس من حقائق ، ولكنه ظل عاجزا حتى موته في أن يجد مائة مليون دولار فقط ، وهو مبلغ ينفقه الأثرياء العرب خلال أيام قليلة من الإقامة في فنادق أوربا. إن الزوبعة التي قامت في عدد من بلاد المسلمين ضد ما نشر من رسوم كاريكاتيرية في الدنمارك والنرويج تدفعني للتساؤل لماذا الآن ؟ هذه قطعا لم تكن المرة الأولى التي تسخر فيها صحف غربية من الإسلام ونبيه. لماذا لم يثور أحد عندما قام حراس أمريكيون في سجن جوانتانامو بركل المصحف بأقدامهم واللعب به كالكرة أمام السجناء المسلمين؟ لماذا لم يثور أحد عندما قال كاتب في صحيفة كبيرة بأن المسلمين في صلاتهم يرفعون مؤخراتهم إلى السماء (في وضع السجود) ؟ أنا لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي وجه فيها كتاب في صحف الغرب السباب إلى رسولنا الكريم منذ واقعة 11/9 ، لماذا لم يحتج أو يثور أحد؟ المؤكد أنه لو لم يستعل رئيس وزراء الدنمارك على مسلمي بلده ويرفض الاجتماع بهم ، لما كان إضطرهم إلى إثارة هذه القضية ولما شعر بها أحد خارج الدنمارك. لقد نشرت هذه الرسوم البذيئة في كوبنهاجن منذ ما يزيد عن الأربعة شهور، ولم يشعر بها أحد في العالم العربي لأنه لا توجد لدينا مؤسسات إعلامية تراقب إعلام وصحافة الغرب. اليهود يفعلون ذلك من خلال مؤسسة (ميمري) التي تراقب أهم صحف وإذاعات العالم والترجمة إلى الإنجليزية من جميع اللغات ، ولديها من الإمكانات والآليات ما يمكنها من إثارة الصخب وترهيب كل من يجرؤ على السخرية من اليهود ومقدساتهم. لقد توحدت أوربا خلف الدنمارك ، وهدد الإتحاد الأوربي الدول العربية بأن أي مقاطعة للدنمارك ستعد بمثابة مقاطعة للإتحاد الأوربي. وتكتل عدد من الصحف في ألمانيا والنرويج وإيطاليا والنمسا وهولندا خلف الصحيفة الدنماركية بإعادة نشر الصور البذيئة في صحفها. وكل هؤلاء يعتمدون على عجز المسلمين عن الفعل وقصر أنفاسهم عن مواصلة معارك طويلة الأمد. هم يتحدوننا بالإصرار على سب نبينا ، ونحن نرد بالصراخ وحرق الأعلام ، والأخطر من ذلك التهديد باغتيال الأبرياء من رعايا الدول الأوربية. بتعبير آخر، هناك من يريد أن يرد على إساءة موجهة إلى الرسول بإساءة أكبر منها موجهة إلى الإسلام ذاته ، وذلك بقتل نفس بريئة لاذنب لها فيما تقترفه أقلام العنصرية الحاقدة. إن الرد الأنسب على إستخفاف الغرب بنا لا يكون بالصراخ والقتل وحرق الأعلام ، وإنما يكون بالعمل على التخلص من المصدر الأول لضياع هيبتنا وإستخفاف أعدائنا بنا. هذا المصدر هو التخلص من الانظمة الديكتاتورية وحاشيتها من المنافقين والمزورين والمدلسين. الرد يكون بالضغط على حكومات أوربا لسن قوانين تجرم الإسلاموفوبيا (التحريض ضد الإسلام والسخرية منه) كما تجرم معاداة السامية والتشكيك في الهولوكوست ، وبالضغط على حكام العرب للوقوف مع إيران التي توحدت جميع دول الغرب ضدها لتحظر عليها حقها في الاستحواذ على التكنولوجيا النووية. الرد يكون بالوقوف مع حزب الله وحماس وجميع قوى المقاومة والممانعة. الرد يكون بالإقبال على تعلم اللغة الانجليزية والتعود على مطالعة الصحافة الأجنبية والتمكن من مهارات الكتابة والخطابة باللغتين العربية والانجليزية. عندئذ فقط يمكن لأي عنصري صهيوني حاقد أن يفكر ألف مرة قبل الإقدام على أي فعل مسئ لنا. [email protected]