إبتليت الشعوب العربيه بمصيبة الظلم نتيجة لفقدان العدل إلا من رحم ربي وما ذاك إلا نتيجة لاسناد الامر الى غير أهله .. الظلم معاناة .. قاسية .. الظلم إبتلاء .. عظيم ..الظلم ألم لا يشعر به إلا من عانى و يعاني من مرارته التي تفوق مرارة الحنظل .. الظلم والخوف من الله لا يجتمعان في قلب مسؤول أؤتمن على مصالح الناس والامه والمصيبه أننا نرى من يموت ظلماً ولا يأبه المسؤول والمؤتمن لما يحل بالرعيه .. ظلم ... هي كلمه عجيبه من ثلاثة أحرف فقط ... لكن يالها من كلمه إذا ألقت بظلال خمارها الاسود الكئيب المقيت على مجتمع ما فإنها تدمره وتفتته وتحول أهله الى شيع وفرق متنافره متناحره ثم لا يلبث ذلك المجتمع ودولته إلا إنتظار التفتت والانهيار ... لذا حرم الخالق العظيم الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده . (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون , إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار , مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم , وأفئدتهم هواء) فربنا سبحانه ليس غافلا عما يعمل الظالمون ولكن ظاهر الأمر يبدو هكذا لبعض من يرون الظالمين يتمتعون وهو يسمع بوعيد الله ثم لا يراه واقعا بهم في هذه الحياة الدنيا فهذه الصيغة تكشف عن الأجل المضروب لأخذهم الأخذة الأخيرة التي لا إمهال بعدها ولا فكاك منها أخذهم في اليوم العصيب الذي تشخص فيه الأبصار من الفزع والهلع فتظل أبصارهم يومها مفتوحة مبهوتة مذهولة مأخوذة بالهول لا تطرف ولا تتحرك ثم يرسم مشهدا للقوم في زحمة الهول . . مشهدهم مسرعين لا يلوون على شيء ولا يلتفتون إلى شيء رافعين رؤوسهم لا عن إرادة ولكنها مشدودة لا يملكون لها حراكا يمتد بصرهم إلى ما يشاهدون من الرعب فلا يطرف ولا يرتد إليهم وقلوبهم من الفزع خاوية خالية لا تضم شيئا يعونه أو يحفظونه أو يتذكرونه فهي هواء خواء ... أفلا يرعوي هؤلاء الظلمه ويتقون هول ذلك اليوم !؟ هذا هو اليوم الذي يؤخرهم الله إليه . حيث يقفون هذا الموقف , ويعانون هذا الرعب . الذي يرتسم من خلال المقاطع الأربعة مذهلا آخذا بهم كالطائر الصغير في مخالب الباشق الرعيب (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء). يقول سيد الخلق علية الصلاة والسلام ( من أعان ظالماً ولو بشطر كلمة يأتي يوم القيامة ومكتوب على جبينه آيس من رحمة الله ) ليراجع أهل الاعلام المرئ والمقرؤ أنفسهم ويقيسوا حديث رسول الله على أنفسهم !!! أيها الظالم اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينهما وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام ويقول: ((وعزتي وجلالي لأنصرنك، ولو بعد حين)) فكيف ستعيش؟ أو إلى أين تهرب إذا كان الله خصمك وحجيجك؟ والمصيبه كيف إذا كان من ظلمك هو من كان يفترض فيه أن يؤمن لك العدل والحق والامن !!! حين حصلت نكبة البرامكه زمن الخليفه العباسي هارون الرشيد وسجن خالد بن برمك وولده( قال الابن لابيه : يا أبتي بعد العز صرنا في القيد والحبس، فقال: يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها ) وعلى نقيض كلمة ظلم تأتي كلمة عدل كلمة من ثلاثة أحرف ... لكن يالها من كلمه بوجودها تبنى حضارات وبفقدها تنهار أمم وحضارات... بغياب العدل وإنتشار الظلم والمظالم تحولت معظم بلاد العرب إما الى دول فاشله أو دول بالكاد تدير الشأن اليومي وبخلل كبير في بلاد العرب الظلم كلمة لا تكاد تفارق مسامعنا كثيراً ما نرى من يقاسي ألآمه ونتائجه .. والأمر على الفلب أن كان الظلم صادراً ممن كان يجب عليه أن يوفر العدل والانصاف الآن قد تظلم بقدر ما تستطيع وتتمتع بعذاب المظلوم لكن غدا ستتمنى أنك لم تلدك أمك و سترى ما لا ترضى .. وستتمنى أنك تعيد الأيام لتمنع نفسك عن الظلم فلا تظن أيها الظالم القوي المستبد أن الله لا ينتقم منك لهؤلاء المظلومين الذين يصبحون ساخطين عليك، ويبيتون يدعون عليك والله يعلم ما كان منك وما يكون منك وما الله بغافل عما تعملون وفي الحديث: ( ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما فيجمعون في تابوت من حديد فيرمى به في جهنم ) . فهل يعلم الظالم ماذا يعني المظلوم عندما يقول ( حسبي الله ونعم الوكيل ) أي أن المظلوم رفع ملف قضيته من الارض الى السماء ... فهل لحاكم جزء من الارض قدرة على مواجهة حاكم السماء سبحانه القوي العزيز الحكيم ! ؟ ليتذكر هذا الظلم إنه إذا بلغ الظلم مداه وتناسى الظالم الاله وما كان للمظلوم إلا الله وكانت الحرب على دين الله ساعتها يتدخل الاله الجبار المنتقم وقتها ويل ثم ويل للظالم . ألايخاف الظالم يوم الأذآن تروي كتب التاريخ أن طاووس بن كيسان دخل على الخليفه الاموي هشام بن عبد الملك، فقال له : إني أحذرك يوم الأذان فقال هشام : وما يوم الأذان؟ فقرأ عليه الايه : ( وأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ) فصعق هشام بن عبد الملك وخر مغشيا عليه أنفة من الظلم وخشية وخوفا من الوقوف بين يدي ملك الملوك وهو ظالم . يقول إبن خلدون بما معناه : إذا كثر الظلم وإنتشرت المظالم وإذا إختل أو فقد ميزان العدل في دولة ما فهذا مؤذن ومعجل بخرابها . وقد ذكر إبن حجر رحمه الله في كتابه فتح الباري (من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب ) فسبحان الله كيف بمن درس وتربى في كليات عسكريه مهمتها إعداده لحفظ الامن وحفظ البلاد من غائلة الاعداء أيا كانوا ... كيف به إذا تولى عملا مهما وخطيرا وهو لم يهيأ له ؟ ماهي النتائج التي يمكن أن تترتب على مثل ذلك ؟ .... وماهو مصير البلاد التي قفز فيها هؤلاء الى سدة الحكم وهم أصلا لم يهيؤا له ؟ فهؤلاء لم يأتوا لبلدانهم بالعجائب فقط على رأي إبن حجر بل أتوا لها بالمصائب والفجائع وألحقوا فيها من الاضرار مالا يستطيع أشد أعدائهم أن يفعلوه بها وبشعوبهم ! يقول المشير محمد عبدالغني الجمسي رحمه الله ( إن الرجل العسكري لا يصلح للعمل السياسي قط وإن سبب هزيمتنا عام 1967 هو إشتغال وإنشغال رجال الجيش بالالاعيب في ميدان السياسه فلم يجدوا ما يقدمونه في ميدان المعركه ) على أن هناك سؤال ملح يراود عقل ومنطق كل ذي بصر وبصيره وهو هل يوجد إنسان ما مهما كانت صفته وموقعه يستحق أن يضحى بدولة وشعبها من أجل سواد عيونه !! ؟؟ وصدق من قال : أين الظالمون وأين التابعون لهم .. في الغي بل أين فرعون وهامان ؟ وأين من دوخوا الدنيا بسطوتهم .. وذكرهم في الورى ظلمٌ وطغيان ؟ أين الجبابرة الطاغون ويحهم ؟ .. وأين من غرهم لهو وسلطان ؟ هل أبقى الموت ذا عزٍ لعزته ؟ .. أو هل نجا منه بالأموال إنسان ؟ لا والذي خلق الأكوان من عدم .. الكل يفنى فلا إنس ولا جان أمر الحجاج إبن يوسف والي العراق أيام الامويين حراسه باحضار الإمام سعيد بن جبير، فلبس سعيد بن جبير أكفانه و تطيب وذهب معهم الى الحجاج ويناجي ربه "اللهم يا ذا الركن الذى لا يُضام و العزة التى لا ترام، اكفنى شره" و كان فى الطريق يقول لا حول و لا قوة الا بالله، خسر المبطلون. و دخل سعيد على الحجاج وقال: "السلام على من اتبع الهدى" و هى تحية موسى لفرعون قال الحجاج : ما اسمك؟ قال سعيد: اسمى سعيد بن جبير قال الحجاج: بل أنت شقى بن كسير قال سعيد: أمى أعلم إذ سمتنى قال الحجاج: شقيت أنت و شقيت أمك قال سعيد: الغيب يعلمه الله قال الحجاج: ما رأيك فى محمد صلى الله عليه و سلم ؟ قال سعيد: نبى الهدى والرحمة قال الحجاج: ما رأيك فى علىّ ؟ قال سعيد: ذهب الى الله امام هدى قال الحجاج: ما رأيك فىّ ؟ قال سعيد: ظالم تلقى الله بدماء المسلمين قال الحجاج: علىّ بالذهب و الفضة. فأتوا بكيسين من الذهب و الفضة و أفرغوهما بين يدى سعيد بن جبير قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ ان كنت جمعته لتتقى به من غضب الله فنعما صنعت، وان كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتواً فوالذى نفسى بيده إن الفزعة يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت . قال الحجاج: علىّ بالعود و الجارية فطرقت الجارية على العود و أخذت تغنى، فسالت دموع سعيد على لحيته و انتحب قال الحجاج : ما لك، أطربت ؟ قال سعيد: لا و لكنى رأيت هذه الجارية سخّرت فى غير ما خلقت له، و عود قطع و جعل فى المعصية قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك ؟ قال سعيد: كلما تذكرت يوم يبعثر ما فى القبور و يحصل ما فى الصدور ذهب الضحك قال الحجاج: لماذا نضحك نحن إذن ؟ قال سعيد: اختلفت القلوب و ما استوت قال الحجاج: لأبدلنك من الدنيا ناراً تلظى قال سعيد: لو كان ذلك إليك لعبدتك من دون الله قال الحجاج: لأقتلنك قتلة ما قتلها أحد من الناس، فاختر لنفسك قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت فوالله لا تقتلنى قتلة إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة قال الحجاج: اقتلوه قال سعيد: وجهت وجهى للذى فطر السموات و الأرض حنيفاً مسلماً و ما أنا من المشركين قال الحجاج: وجهوه إلى غير القبلة قال سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله قال الحجاج: اطرحوه أرضاً قال سعيد و هو يبتسم: منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارةً اخرى قال الحجاج: أتضحك؟ قال سعيد: أضحك من حلم الله عليك و جرأتك على الله قال الحجاج: اذبحوه قال سعيد: اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي و قتل سعيد بن جبير و استجاب الله دعاءه فثارت ثائرة بثرة ( هى الخراج الصغير) فى جسم الحجاج فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج شهراً كاملاً لا يذوق طعاماً ولا شراباً ولا يهنأ بنوم و كان يقول و الله ما نمت ليلة الا و رأيتنى أسبح فى أنهار الدم، و أخذ يقول ويكرر: مالى و سعيد بن جبير.. مالى و سعيد بن جبير و يقول هذا الظالم عن نفسه قبل أن يموت، رأيت فى المنام كأن القيامة قامت، و كأن الله برز على عرشه للحساب فقتلنى بكل مسلم قتلته مرة إلا سعيد بن جبير قتلنى به على الصراط سبعين مرة . إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ .