دائمًا يُقال «الموضوع فيه إنَّ» عند الشك فى نوايا الشخص، ولها قصة طريفة تدل على ذكاء العرب وفطنتهم، فقد كان في مدينةِ حلَب أميرٌ ذكيٌّ فطِنٌ شجاعٌ اسمه (علي بن مُنقِذ)، وكان من رعايا الملك (محمود بن مرداس)، وحدثَ خلافٌ بين الملكِ والأميرِ، وفطِن الأمير إلى أنَّ الملكَ سيقتله، فهرَبَ مِن حلَبَ إلى دمشق، طلب الملكُ مِنْ كاتبِه أن يكتبَ رسالةً إلى الأمير عليِّ بنِ مُنقذ يطمئنُهُ فيها ويستدعيه للرجوعِ إلى حلَب وكان الملوك يجعلون وظيفةَ الكاتبِ لرجلٍ ذكي حتى يُحسِنَ صياغةَ الرسائلِ التي تُرسَلُ للملوك، بل وقد يصبحُ الكاتبُ ملِكًا إذا مات الملك، وشعَرَ الكاتبُ بأنّ الملِكَ ينوي الغدر بالأمير، فكتب له رسالةً عاديةً جدًا، ولكنه كتبَ في نهايتها "إنَّ شاء اللهُ تعالى" بتشديد النون، فلما قرأ الأمير الرسالة، وقف متعجبًا عند ذلك الخطأ في نهايتها، فهو يعرف حذاقة الكاتب ومهارته، لكنّه أدرك فورًا أنّ الكاتبَ يُحذِّرُه من شىء ما حينما شدَّدَ تلك النون، ولمْ يلبث أنْ فطِنَ إلى قولِه تعالى:"إنَّ الملأَ يأتمرون بك ليقتلوك" ثم بعث الأمير رده برسالة عاديّةٍ يشكرُ للملكَ أفضالَه ويطمئنُه على ثقتِهِ الشديدةِ به، وختمها بعبارة «أنّا الخادمُ المُقِرُّ بالإنعام» بتشديد النون، فلما قرأها الكاتبُ فطِن إلى أنَّ الأمير يبلغه أنه قد تنبّه إلى تحذيره المبطن، وأنه يذكره بقول المولى سبحانه وتعالى "إنّا لن ندخلَها أبدًا ما داموا فيها"، واطمئن إلى أنَّ الأمير ابنَ مُنقِذٍ لن يعودَ إلى حلَبَ في ظلِّ وجودِ ذلك الملكِ الغادر، ومنذ هذه الحادثةِ صارَ الناس يقولونَ للموضوعِ إذا كان فيه شكٌّ أو سوء نية «الموضوع فيه إنََّ»، والله أعلم.