اللواء ممدوح فتحي ل «المصريون»: - «حرب اليمن» ورطة غربية لناصر ليتوقف عن دعم الثورات.. ووجود الجيش المصري في باب المندب يعيد التوازن مع الفرس..
- قدمنا لليمن خمس مجموعات لتدريب خريجيها العسكريين.. ومدرسونا وقادتنا أنشأوا الأكاديمية العسكرية اليمنية.
- الانضباط العسكري لا يمنع وجود فساد بين بعض الضباط.. والروابط العسكرية جعلت البعض يتجاوز عن مخالفاتهم.
- نظام مبارك لم يتخذ أي قرار لحماية سيناء من أي خطر.. والإخوان اعتمدوا على فشل حكوماته بتشكيل حكومة خدمية موازية للمواطن.
أكد لواء أركان حرب ممدوح محمد فتحي، مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق، أن التدخل البري في اليمن مغامرة قد تعيد سيناريو نكسة 1967 من جديد، مبينًا أن "حرب اليمن" كانت ورطة غربية لناصر ليتوقف عن دعم الثورات الإقليمية، وأن وجود الجيش المصري اليوم في باب المندب يمكن أن يعيد التوازن مع الفرس.
وأوضح فتحي، في حواره مع "المصريون"، أن نظام مبارك لم يتخذ أي قرار لحماية سيناء من أي خطر، وأن الإخوان اعتمدوا على فشل حكوماته بتشكيل حكومة خدمية موازية للمواطن، مشيرًا إلى أن الانضباط العسكري لا يمنع وجود فساد بين بعض الضباط، وأن الروابط العسكرية جعلت البعض يتجاوز عن مخالفاتهم.
وإلى نص الحوار..
** بداية كيف ترى قرار وقف عمليات "عاصفة الحزم" في اليمن؟ قبل الحديث عن عاصفة الحزم، علينا أن نؤكد أولاً أن الشعب اليمني يكن كل الاحترام والحب لمصر وجيشها، منذ حرب 1962، وأعتقد أن من يتحدث عن هزيمة مصر في حرب اليمن الأولى لا يفهم شيئًا، فقد واجهنا أهوالاً لم يواجهها أي جيش في العالم من ظروف جبلية صعبة، إلى تحالفات دولية، ورغم ذلك انتصرنا، ودليل انتصارنا تحقيق الهدف بتمكين الثورة وخلق نقلة حضارية وثقافية في بلاد اليمن، ودورنا لم يكن يقتصر على الجانب العسكري فقط بل امتد إلى جوانب أخرى تعليمية تثقيفية صحية، ويكفي أن حتى العلوم العسكرية تم زرعها بواسطة المدرسين والقادة والضباط المصريين الذين شاركوا في إنشاء الجامعات والمعاهد العسكرية اليمنية.
** هل تقصد كليه الدفاع التي شاركت في تخطيطها وإنشائها؟ لم ننشئ كلية دفاع فقط ولكننا أنشأنا أكاديمية عسكرية متكاملة على نمط أكاديمية ناصر العسكرية، فأنشأنا كلية للحرب وكلية للدفاع ومركزًا للدراسات الاستراتيجية.
** ولماذا قررنا فجأة إنشاء أكاديمية عسكرية باليمن؟ القرار لم يكن مصريًا ولكنه قرار يمني خالص، فعندما أدرك اليمنيون ضرورة إنشاء أكاديمية عسكرية حديثة قاموا بدراسة جميع التجارب العالمية لاختيار أفضلها، فوقع اختيارهم على أكاديمية ناصر، لذلك تم تكليفي ضمن مجموعة للتخطيط لإنشاء الأكاديمية العسكرية اليمنية، ثم عملنا لخمس سنوات كاملة لتثبيت العملية التعليمية ووضع المناهج وتدريب الضباط.
** نعود إلى "عاصفة الحزم" كيف رأيت قرار وقف العمليات؟ أعتقد أن المخطط للعملية وجد أن عناصر القوة في أيدي الحوثيين انتهت، فأوقف العملية، ولكن عندما عاد الحوثيون لعمليات التمدد كان من الطبيعي أن يُتخذ قرار بعودة العمليات مرة ثانية في اليمن. ** ولكن بعض العسكريين يقولون إن قرار وقف القتال يعد فشلاً لقوات التحالف؟ من قال إنه فشل، يكفي على الأقل أنها حجمت من القدرات العسكرية للحوثيين وصالح، الذين استقووا بالحرس الجمهوري والمساعدات الإيرانية التي تم محاصرتها جوًا وبحرًا، كما أنها خلقت نوعًا توازنيًا في المنطقة ومضيق باب المندب، وحرمت إيران من السيطرة على العاصمة الرابعة، وشتت قواها في العواصم الثلاث الأخرى.
** الأطماع الإيرانية ليست وليدة أحداث اليمن.. ألا ترى أن التحركات الأخيرة نتيجة الصراع التاريخي بين الفرس والعرب؟ الصراع العربي الفارسي صراع تاريخي، يتجاوز 2600 سنة، أصبح مذهبيًا بعد ظهور الشيعة، وهذا وضح في الأطماع الإيرانية في العراق لوجود الأماكن المقدسة بكربلاء والنجف، وعندما رحلت بريطانيا سنة 1971 احتلت إيران جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى الإيرانية، وانفردت بتأمين مضيق هرموز، وأضحت المنطقة محاطة بالهلال الشيعي من العراق إلى الكويت حتى البحرين.
** وهل استطاعت "عاصفة الحزم" أن تكسر هذا الحصار الشيعي؟ في طريقها إلى ذلك، فاليوم بدأت بعاصفة الحزم، بعد ذلك تأتي المباحثات السياسية، حتى تستقر المنطقة. ** هل ترى أن عملية "إعادة الأمل" يمكن أن تستكمل ما بدأته "عاصفة الحزم"؟ عملية "الأمل" هدفها إعادة بناء ما هدمه الصراع في اليمن، ففي نهاية الأمر كل ما يهمنا هو عودة اليمن مرة ثانية، لكي تبدأ المباحثات لإعادة الوفاق بين أطياف الشعب اليمني.
** البعض كان ينتقد اشتراك مصر في "عاصفة الحزم"؟ علينا أن ندرك أن الدائرة العربية والإقليمية ومنطقة الخليج وعلى رأسها باب المندب تمثل ثوابت الأمن القومي، نحن لسنا دعاة حرب ولكن لن نسمح بأي تهديد على أمننا القومي، ويجب أن يكون لنا دور في المضيق، حفاظا على قناة السويس.
** إنهم يخشون تكرار سيناريو نكسة 1967؟ قبل سنة 1967 مصر كانت قوة مؤثرة، وناصر كان يدعم الثورات العربية والإفريقية، وكان من الطبيعي أن يسعى الغرب لضرب أفكار ناصر وتحجيمه، لذلك جاءت حرب اليمن كأحد المخططات لضرب مصر وجيشها، ورغم ذلك حققنا الهدف المنشود، وإن كنا لا ننكر أنها أحد عوامل النكسة.
** اليوم هل ترى إمكانية التدخل بريًا في اليمن؟ رغم ثقتي بالقيادة السياسية والعسكرية، إلا أنني لا أتمنى تدخلاً بريًا حفاظًا على أرواح جنودنا، لذلك أرى أن التوافق الوطني بين الأطراف المتصارعة حلاً أمثل.
** الأصابع الإيرانية ملوثة بدماء العراق وسوريا ولبنان.. والتحالف العربي لم يتحرك إلا في اليمن فقط؟ لأن التحالف العربي أدرك خطورة الوضع في اليمن استراتيجيًا، وكان من الصعوبة فتح أكثر من جبهة، ثم أن التهديد الإيراني في اليمن من وجهة النظر السعودية يمثل خطورة أكبر من تدخلها في العراق وسوريا.
** التجربة اليمنية أثبتت أن الأقليات يمكن أن يمثلوا خطورة في زعزعة استقرار الدول خاصة إذا ما تعرضوا للقمع.. في مصر هناك النوبيون والأمازيغ وبدو سيناء.. هل تعتقد أن تلك الأقليات يمكن أن تؤثر في زعزعة الاستقرار المصري في ظل الاضطهاد الذي تتعرض له؟ رغم أن الوضع في مصر يختلف كليًا مذهبيًا وعرقيًا عن الأوضاع في بلاد العراق وسوريا واليمن، إلا أننا يجب أن ننتبه إلى تلك الثغرة حتى لا يستغلها الآخرون، خاصة أن القاعدة الإرهابية بدأت تنتشر فيما حولنا على أساس ديني عرقي تاريخي ومن السهل إثارة الفتن بين مختلف العرقيات والطوائف.
** الجماعات المسلحة استغلت بعض الثغرات بالمؤسسات الأمنية المصرية وعلى الأخص الشرطة..؟ مقاطعًا.. هم استغلوا الاحتكاك الطبيعي لجهاز الشرطة بالمواطنين ونجحوا، لأن الشرطة كان لها بعض التجاوزات، وإن كان التعامل الإعلامي أظهر جهاز الشرطة بكل ما فيه فاسد، وكل مؤسسة فيها الصالح والطالح.
** لماذا لا يطبق القانون على الجميع فيتساوى رجل الجيش برجل الشرطة بالمواطن؟ أختلف معك، فأنت تتحدثين عن الأمر وكأنه ظاهرة، وهذا غير صحيح، ولكن فكرة المعارف التي تحكم الكثير من أمورنا الحياتية، تجعل البعض يتجاوز عن مخالفات الأقارب والمعارف، ثم أن مؤسستي الجيش والشرطة تحاسب رجالها داخليًا، ولكنها لا تعلن العقاب فالأمر يعتبر أمنًا داخليًا للمؤسسة، ولكن الإعلام يحاول استغلال أي مخالفة لإثارة الناس، وهذا يستغل في الحرب النفسية.
** البعض يتهم ثورات الربيع العربي بأنها ساعدت الأجندة الأمريكية ومشروع تقسيم الشرق الأوسط الجديد؟ ثورات الربيع العربي لم تأت من فراغ وليست وليدة اللحظة، فكانت بدايتها في عام 1989، ففي هذه الفترة حدثت تغييرات دولية سريعة، فتفكك الاتحاد السوفيتي كان كارثة عالمية، فالعالم كان مكون من قطبين، ومع انهيار أحد الأقطاب اندثرت الأفكار المناهضة للرأسمالية، ويجب أن تعلمي أن الاتحاد السوفيتي استخدموا معه حرب الجيل الرابع حتى ينهار، وهذا ما حدث في الوطن العربي لتخرج ثورات الربيع، ولكن لا أحد يقرأ ليتعلم، فلا فرق بين الربيع والثورات البرتقالية.
** هل كان البديل أن يصمت الشعب على الفساد والظلم؟ لم أقل ذلك ولكنني كنت أتمنى أن يوافق الشباب على طلب مبارك بالانتظار تسعة أشهر لانتقال السلطة حتى لا تحدث الفوضى، فهدفنا جميعًا تحقيق الديمقراطية.
** مبارك في الحكم منذ أكثر من ثلاثين عامًا وقراره بتداول السلطة جاء نتيجة ضغط الشباب في الميادين؟ بالطبع خروج الشباب هو الذي أدى إلى قرار تداول السلطة، وعندما عرض الشباب مطالبهم في الميادين، كان الجيش ضامنًا لمطالب الشعب، فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة اجتمع دون حضور رئيس الجمهورية، فالضمانات كانت موجودة وكان من الممكن أن يطلب الشباب مزيدًا من الضمانات، حتى لا نصل إلى النتائج العنيفة التي نراها اليوم.
** العنف طبيعة الثورات وكان من الطبيعي في ظل سرقة جماعة لأهداف الثورة أن نرى عنفًا في الشوارع؟ الثورة قام بها مجموعة من الشباب غير الطامح في مجد ولا يهمه إلا مصلحة الوطن وتعديل المسار، ولكن يجب تقسيم الشباب إلى مجموعتين، مجموعة مسيّسة وموجهة ومدربة وممولة، وهي المجموعة الفاعلة في الأحداث، ومجموعة غير راضية عن الأوضاع وخرجت للتغيير، ولأن الإخوان كانت الجهة الوحيدة الجاهزة والقادرة على تصدر المشهد، تعاونوا مع جميع التيارات.
** دعنا نعترف أن جماعة الإخوان لم تكن الجماعة الوحيدة التي سعت لسرقة الثورة؟ كل التيارات والقوى السياسية سرقوا الثورة، ولكنهم لم يكونوا يمتلكون القدرة والتنظيم كما امتلكته جماعة الأخوان المسلمين، فكان الواضح على السطح الجماعة تدعمها جماعات أخرى أقل قوة.
** هل تعتقد أن استغلال واعتماد الجماعة على البسطاء دينيًا كان له عامل مؤثر؟ بالتأكيد.. فالجماعة اعتمدت على جذورها الضاربة في المجتمعات المصرية بالقرى والعشوائيات، وهذا الفارق أوضح دور الجيش الحقيقي في الثورتين، فرغم أنه كان السند الوحيد لمبارك إلا أنه انحاز لرغبة الشعب، أما مرسي فكانت تسنده عشيرته، وفي الثورتين الجيش قام بالدور الثاني لأنه انحاز لرغبة الشعب في الثورتين.
** في رأيك كيف حصل الإخوان على قوتهم التي تناوئ الدولة اليوم؟ الإخوان المسلمون تواجدوا في الشارع وتمكنوا من السيطرة على المجتمع المصري الذي عانى من غياب بعض الخدمات ولم يجدوا سوى الجمعيات الخيرية التي قدمت لهم تلك الخدمات لهدف آخر في نفس يعقوب، فتوغلوا في القرى والنجوع من خلال الدين وأنشأوا ما يسمى بالدولة الموازية أو الحكومة الخدمية، والحقيقة أن الإخوان استفادوا من خدمة قدمها لهم مبارك عندما أراد أن يهادن أفكارهم بعد اغتيال السادات، فسمح بدخولهم البرلمان وتركهم يعبثون في أرضية المجتمع، دون أي رقابة.
** البعض يتحدث عن مخطط عام لتفتيت الجيوش العربية فهل تعتقد أن الجيش المصري كان مسار تجربة حادة لتفتيته؟ بالتأكيد.. ولقد حاولت أمريكا كثيرًا مع حسني مبارك لكي يحول الجيش المصري إلى مجرد جيش محارب للإرهاب، حتى لا يكون قادرًا على مواجهة أي خطر خارجي وعلى الأخص إسرائيل.
** قوة الدولة ليست جيشًا يحميها من الإرهاب فهناك الدرع البشري.. فلماذا أهملنا تعمير سيناء؟ كان يوجد مشروع لتنمية سيناء، وكان يجب الانتهاء منه في 2015، وكان يوجد مشروع تسكين 3.5 مليون مصري في سيناء، ولا أعلم لماذا توقف المشروعان، فقد يكون لظروف مادية، ولكن لا أعتقد أنه كان بسبب ضغوط سياسية لعدم تعمير سيناء أو توطين المصريين فيها.
** البعض يقول إن إهمال سيناء بند من بنود معاهدة السلام؟ على الإطلاق، فلا يوجد أي بند في بنود معاهدة السلام يجعلنا نهمل سيناء، ولا توجد بنود سرية في المعاهدة، فلقد أتيح لي الاطلاع على تفاصيلها بحكم موقعي، وكنت سأعلم أي بند سري.
** بعيدًا عن الأسباب ألا ترى أن توطين المواطنين في سيناء كان سيكون حماية لها؟ بالتأكيد.. فتعمير سيناء كان سيجنبها الإرهاب ومخاطر حماس وإسرائيل، ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أننا داخل الكثافة السكانية في المحافظات الداخلية نعيش حالة من الإرهاب، وهو لم يدخل من سيناء فقط بل من كل الاتجاهات.
** ولكن سيناء بوابة أخطر؟ هذا بديهي.. والنظام الأسبق لم يتخذ القرارات الحاسمة والرادعة لتأمين الحدود المصرية في اتجاه غزة، رغم أنها خط أحمر لأمن الدولة، وأعتقد أن متخذي القرار في هذه الفترة كانت لديهم رؤية إنسانية واجتماعية مع أهلنا في غزة تحت الاحتلال، ولكن لا يمكنني أن أدعي معرفتي للتفاصيل في هذه النقطة، ولا أعلم هل كانت توجد اتفاقيات في هذا الشأن وأخل بها أهل غزة.