كانت مفاجأة كبيرة تلك التي قدمها الإعلامي عبد الرحيم علي أمس في صورة تسجيلات صوتية منسوبة للسيد البدوي رئيس حزب الوفد ، التسريبات الصوتية تأتي في أعقاب تسريبات سياسية أخرى انتشرت هذا الأسبوع تقول أن البدوي "بح" بلغة الإيحاء السياسي في مصر ، يعني انتهى أمره ، أو بصيغة أخرى "قرأوا فتحته" ، وكلاهما تعبير عن أن جهات في مصر قررت التخلص من البدوي ، وتبقى التكهنات محصورة حول الصيغة التي سيتم إنهاء أمره بها ، هل هي "لبس" قضية ، وهناك بوابات عديدة معروفة له في هذا المجال والبلاغات المتوالية للنائب العام بينها بلاغ إماراتي بالمناسبة تمهد الأرضية ، أم هي انقلاب داخلي في حزب الوفد يطيح به ، أو أنه عملية "تجميد" على طريقة "سيء الذكر" صفوت الشريف ، بافتعال انقسام داخل الحزب وبالتالي يتم تجميد الاعتراف به حتى يتم البت في الانقسام ، رضاء أو قضاء ، بفخامة لغة صفوت الشهيرة ، حيث لا قضاء ولا رضاء ينهي المسألة . مفهوم أن التسريبات تقدمها جهة أمنية رسمية لها إمكانيات وسيطرة للتصنت على السياسيين والإعلاميين والنشطاء ، ولكن يبقى تحديد الجهة هو المشكلة ، من بين جهات كثيرة لها تلك الإمكانيات والسلطات ، غير أن المفاجأة هنا ليس فقط في التشهير بالبدوي ، لأن جزئية واحدة أو جزئيتين فقط في التسريب الصوتي تم فيهما التعريض به ، بإظهاره ممالئا لجماعة الإخوان ومجاملا لها على أمل أن يدعموه في انتخابات الرئاسة ، وهو طموح غريب من البدوي وقتها ، لكن الخطير أن التسريبات إن صحت تضر بالسيسي نفسه وتضرب مشروعه في مقتل ، بل وتسقط معظم الرواية الرسمية عن أحداث 30 يونيه 2013 ، فقد أظهرت التسريبات أن الترتيب لسحق الإخوان و"ذبحهم" كان معدا له من العام 2012 وقبل انتخابات الرئاسة ، كما تكشف التسريبات عن إدانة للجهاز الأمني واتهامه بترتيب أعمال إرهابية مفتعلة من أجل بسط السيطرة وإشاعة أجواء من الخوف واتهام جهات بعينها ، وهذا كلام محير جدا ، فما هي مصلحة "الجهة الأمنية" التي سربت هذه التسجيلات في نشر هذه الصورة المخيفة ، والتي تضر أول ما تضر بالرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه ، حيث يترجح القصد والعمد في نشر هذا الكلام ، ولا يتصور أن من سربوه لم يلتفتوا إلى خطورة هذا الكلام وأنه أهم وأخطر كثيرا من حكاية علاقة سيد البدوي نفسه بالإخوان ، لأن جميع القوى السياسية وقتها كانت لها علاقات بالإخوان بل وتحالفات انتخابية معهم ، بمن فيهم حمدين صباحي وحزبه . في اليوم التالي مباشرة لإذاعة تلك التسجيلات ، فاجأ السيسي الجميع بطلبه الاجتماع برئيس حزب الوفد ومجموعة من قياداته ، وهو سلوك سياسي مفاجئ وغير مألوف على الإطلاق ، وهو تدخل صريح في شؤون حزب مستقل ، أو هكذا يفترض وصفه ، ويمارس فيه رئيس الجمهورية ما يشبه دور مرجعية الحزب أو مجلس أمنائه أو حتى رئيسه ، الذي يحسم الخلاف وينسق الأعمال ويضبط الانفلات ، لكن الأهم من ذلك ، أن دعوة السيسي للبدوي صبيحة يوم نشر التسريبات لا يمكن فصله عن موضوع التسريبات نفسه وما أثاره من جدل، وبوضوح أكثر ، دعوة السيسي للبدوي ، والتي تترجم سياسيا بالاحترام له والتقدير والحماية أيضا من مؤسسة الرئاسة ، تعني أن السيسي أراد أن يبعث برسالة للبدوي ولحزب الوفد وللرأي العام كله من بعد ذلك ، بأنه لا صلة له بتلك التسريبات ، ولا يرضى بها ، وأنه لم يأذن بها ، وربما أيضا ، أنه ساخط وغاضب من نشرها بتلك الطريقة . ما حدث من الرئيس تجاه السيد البدوي يعطي انطباعا لا تخطئه رؤية أي مراقب سياسي على أن هناك جهات تسيء إليه ، عن عمد أو عن جهالة ، وأنه غاضب من ذلك ، وربما تعطي الانطباع بأن هناك صراعات "أجنحة" لا تعبأ بالمصلحة العامة ، والأسابيع المقبلة ستكشف مستقبل هذا الصراع ، إما بحسمه أو بمزيد من الانفلات .