اعتاد الناس فى مصر على تقسيم اللحوم المباعة فى الأسواق إلى قسمين: الأول يسمونه «البلدى» ويعنون به الخراف والماشية المحلية التى تم تربيتها وتسمينها داخل مصر.. وهذه لها مكانتها فى الموروث الشعبى ويقبل عليها الناس باطمئنان باعتبارها أكلت وشربت أمامنا، لا فى بلاد لا ندرى ماذا تطعم حيواناتها! القسم الثانى هو اللحم المثلج المستورد من الخارج، وهذا يطلق عليه الناس «البرازيلى»، ولا يحظى هذا النوع بالتقدير الكافى بين ربات البيوت، لأنه ليس طازجا وقد أتى من بلاد بعيدة مجمدا، لكن بعض شرائح الطبقة المتوسطة تقبل عليه بسبب رخص سعره وقربه من أيديهم، والفقراء أيضا يتعاملون معه فى المناسبات السعيدة إذا توفر ثمنه! وفى الحقيقة أنه منذ أن قصر الإنتاج المحلى من اللحوم الحمراء عن الوفاء باحتياجات الناس، ومن ثم تضاعفت أسعاره واضطر المسؤولون إلى تعويض النقص بالاستيراد.. منذ أن حدث هذا والسادة الأغنياء يخشون من أن تكون اللحوم التى يأكلونها فى المطاعم والفنادق ويدفعون فيها ثمنا غاليا هى فى حقيقتها لحوم برازيلية رخيصة وليست لحوما بلدية كما يظنون، خصوصا وقد أصبح معلوما أن مصانع البسطرمة واللانشون المحترمة التى لا تفرم قطط وكلاب وعِرَس وفئران تستعمل اللحم البرازيلى المثلج فى صنع منتجاتها التى تبيعها بأسعار مرتفعة.. هذه هى هواجس الأغنياء.. أما الفقراء الذين ذبح الرئيس المشلوح وعصابته أحلامهم، كما سرقوا ثروة بلدهم وبددوا أملهم فى الحياة فلا هواجس لديهم من أى شىء.. إنهم يأكلون ما يجدونه دون أن يسمحوا لأى أسئلة سخيفة أن تفسد عليهم اللحظة. عند مساكن منشأة ناصر يقف بائع الكفتة الشهير ورائحة الشواء تتصاعد من حوله، والناس تكاد تفتك بعضها بعضا لشراء رغيف كفتة ثمنه جنيها واحدا، حيث كيلو الكفتة المشوية على الفحم ب12 جنيها مع العيش والسلطات! قد يسأل البعض.. ألا يعلم الناس أن هذه الكفتة التى يأكلونها لا يمكن -بالعقل- أن تنتمى إلى حيوان طبيعى مما يؤكل لحمه؟ ألا يدركون أنها فى أحسن الأحوال عبارة عن مخلفات وأحشاء وأمعاء الذبيحة، وقد تم صبغها باللون الأحمر بعد فرمها كما لو كانت فى الأصل لحمة؟ والإجابة: هم فى الغالب يعلمون.. لكنهم فى حكم المضطر بعدما لم تترك لهم الحياة بدائل يختارون من بينها. وقد يسأل البعض الآخر: وهل لا يتصورون أن هذا الساندوتش الملتهب الملىء بالشطة قد يقودهم إلى قسم الاستقبال والطوارئ بمستشفى شديد القذارة يتعذبون فيه حتى الموت؟ والإجابة: بلى يتصورون ولكن عذرهم: «أنا الغريقُ فما خوفى من البللِ». الغريب أن هذه المعرفة لا تخيف الناس أو تبطئ من شهيتهم وهم يتناولون ساندوتشات كفتة الحمار الحارة مع سلطة الطماطم والطحينة. والأكثر غرابة أنهم يتبادلون النكات فى أثناء الأكل، ولا يكفون عن السخرية من المطعم وصاحبه وساندوتشاته، ويطلقون على البائع الذى يخدمهم لقب «المعفن». والبائعون أصحاب الأكشاك والعربات التى تقدم أطعمة من هذا النوع، التى تستخدم فى صناعتها حيوانات مجهولة أو نافقة لا يتضايقون من سخرية الزبائن، بل أصبحوا هم أنفسهم يتفاءلون بالألقاب القذرة مثل النتن والوسخ والملوث، ولا يستنكفون من كتابتها على الدكان أو العربة! الخبر السخيف الذى قد ينكد على الغلابة الذين قبلوا ما لا يقبله بشر وتعايشوا مع لحوم الحمير بوداعة، أن يعرفوا أن الجزار الذى سقط فى أيدى مباحث التموين مؤخرا قد اعترف بأنه كان يمارس الغش فى لحوم الحمير، إذ كان يصنع الكفتة من حمير برازيلى مثلجة على أنها بلدى.. وهذا فى ظنى ما لا يمكن أن يغتفر أبدا!