النهاية المأساوية للعقيد معمر القذافي كانت متوقعة ، فبعد حكم دموي دام 42 عاما كان لابد ان تكون النهاية دموية، وهي ليست نهاية رجل وانما نهاية مرحلة مظلمة في تاريخ ليبيا. الطريقة التي قتل بها القذافي، تشبه كثيرا الطريقة التي حكم بها، فقصف موكبه بالطائرات، واعتقاله حيا ، وضربه وتعذيبه، وقتله دون محاكمة، ودفنه في مكان غير محدد بالصحراء، هو نفس ما كان يفعله بخصومه وابناء شعبه! قتل القذافي يذكرنا بإعدام صدام حسين، وباغتيالات اخرى كثيرة جرت دون محاكمة ، لكن يبقي ان القذافي هو الذي اختار بنفسه هذه النهاية حين تفنن في إذلال الليبيين وتجويعهم واهانتهم اهدار كراماتهم وشرفهم واصدار الاوامر باطلاق الرصاص والصواريخ عليهم. القادم في مرحلة ما بعد القذافي أخطر، فالسيادة الوطنية مهددة من قبل حلف الناتو، والخلافات مشتعلة بين الاسلاميين والليبراليين، وهناك غابة من الاسلحة في أيدي المليشيات، والاحتقان بين المناطق -خاصة بين الشرق والغرب- يهدد بتجدد الحرب الاهلية! المهمة الصعبة الملقاة على عاتق المجلس الوطني الليبي، ليست مجرد الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية، وانما كيفية نقل ليبيا الى اعتاب الحكم الرشيد، باعتماد معايير الديمقراطية و سيادة القانون والشفافية، والقضاء المستقل والعدالة الاجتماعية في مجتمع قبلي غير متجانس تسوده خلافات عميقة حول الهوية الوطنية! بالتأكيد الاتفاق على حكومة انتقالية سوف يستغرق وقتا، نظرا للخلافات الايديولوجية والجهوية والقبلية، كما ان تدخل حلف الناتو –الشريك الرئيسي في اسقاط النظام- سوف يطيل امد مرحلة بناء الدولة الجديدة في ظل قلق غربي متصاعد ازاء الحركات الاسلامية في ليبيا وما يثار حول علاقتها بالقاعدة! الناتو يتدخل في ليبيا استنادا الى دوره الرئيسي في القضاء علي نظام القذافي، مع ان كل الوقائع تقول ان الحلف لم يتدخل في ليبيا من اجل سواد عيون الليبيين، وانما طمعا في حقول النفط الضخمة، وهي نفس دوافعه حين غزا العراق وافغانستان، لكن ذلك لا ينفي اقتناع غالبية الليبيين بانه لولا تدخل الناتو لما انتهي نظام القذافي! التدخل الجديد للناتو يرتكز الى قاعدة اساسية ،وهي انه لو ترك الاوضاع في ليبيا تنتهي باقامة نظام ديمقراطي حر ومستقل، فسوف يتشكل نظام وطني معاد للغرب واسرائيل ولكل أشكال الهيمنة الاجنبية، لذا فان الحلف يبذل كل ما بوسعه لصياغة نظام حكم جديد لا يهدد مصالحه في ليبيا والمنطقة! سقوط القذافي كان يمكن الا يحدث لو انتهج سياسات اخرى غير التي سار عليها، فالرجل ساهم في افقار الليبيين واذلالهم واهدار كرامتهم رغم ان ليبيا هي ثامن دولة منتجة للنفط في العالم، ويكفي ان 25 % من الليبيين يعيشون تحت خط الفقر مقابل طبقة صغيرة فاحشة الثراء تكاد تموت من التخمة! في ليبيا القذافي تشكلت طبقة راسمالية يتزعمها هو واسرته هيمنت على الاقتصاد والسياسة والاعلام، كانت اشبه بعصابة من عصابات المافيا، ومع تنفيذ مشروع توريث السلطة من القذافي الاب لسيف الاسلام الابن ، اشتعلت الثورة فلم يعد بوسع الليبيين تحمل 42 عاما اخري تحت حكم آل القذافي! المعركة الحقيقية في مرحلة ما بعد القذافي سوف تكون بين الشعب الذي ثار من اجل كرامته وحريته وبين الطبقة الجديدة التي يراد انتاجها –باسم الثورة- لنهب ثروات ليبيا وربطها استراتيجيا وعسكريا وأمنيا بحلف الناتو!