هم لا يحملون الجنسية الإيفوارية رغم أنّ البعض منهم ولد وترعرع في كوت ديفوار.. غياب الوثائق الرسمية أجبرهم على ملازمة قائمة غير حاملي الجنسية، وهو ما يوصد في وجوههم أبواب العمل. ومع أنّ الحكومة الإيفوارية تبذل جهودا لبث شعاع من الأمل في نفوس هذه الفئة، إلاّ أن تحدّيات الواقع المعاش تخيّم بثقلها على مختلف جوانب حياتهم اليومية. "أعمل ببطاقة هوية لشخص آخر من أجل الحصول على قوتي ودفع إيجار منزلي، ومن غير اليسير فعل ذلك في كلّ مرّة ، فأنا أشعر بأنّه سيتمّ إيقافي في كلّ لحظة".. بنرة يغلب عليها الأسى والمرارة، إستهلّ الكهل الأربعيني المقيم في أبيدجان بكوت ديفوار دون أن يكون حاصلا على الجنسية الإيفوارية، حديثه للأناضول.. أمثاله كثيرون في كوت ديفوار، بل إنّ عددهم يناهز ال 700 ألف مهاجر، يشقون لتأمين لقمة العيش لعائلاتهم.. فهذا الرجل صاحب النظرات الحزينة يجد نفسه مجبرا على خرق القوانين بهذه الطريقة من أجل إعالة عائلته.. يضيف: "لو لم أفعل هكذا، فكيف سيكون مصير زوجتي وأطفالي الخمسة؟ في السابق، كان لديّ شهادة الميلاد، لكن وبسبب لقبي البوركيني، لا يسعني فعل أيّ شيء". غير أنّ هذا الرجل الذي اكتفى بالردّ قائلا أنا "المعذّب في الأرض"، حين سأله مراسل الأناضول على اسمه، لا يحتكر المعاناة لوحده، وأمثاله كثيرون ممّن يواجهون ظروفا قاسية. إسماعيل ودراوغو هو أيضا من غير حاملي الجنسية الإيفوارية، قال معقّبا عن الموضوع للأناضول: "حيث ما حللنا، تقع مطالبتنا بوثائق الهوية، ولذلك نحن نتجنّب التنقّل إلاّ عند الضرورة القصوى. أقوم بأعمال صغيرة في مواقع البناء وأجني 50 ألف فرنك إفريقي (86 دولار)، وزوجتي تقوم، في بعض الأحيان، بتنظيف ملابس بعض العائلات مقابل ألفي و500 فرنك إفريقي (4 دولارات) يوميا". هو رجل ممزّق بين جذوره البوركينية والبلد الذي ولد وترعرع فيه. ومع أنّه إنقضى وقت طويل على قدوم أجداده إلى كوت ديفوار، إلاّ أنّ جميع سكان الحيّ يتمكّنون من تمييزه ويعرفون أنّه بوركيني.. يقول إسماعيل: "أنا لا أعرف بوركينا فاسو ولم يحدث أبدا وأن زرتها.. إنّه وضع مهين للغاية بالنسبة لشخص مثلي لا علاقات لديه وفقد والديه منذ فترة. مسألة الجنسية تعتبر من المواضيع الحارقة والمثيرة للجدل في كوت ديفوار.. ففي بدايات القرن الماضي، إستورد المستعمر الفرنسي اليد العاملة الأجنبية من دول الجوار مثل بوركينا فاسو ومالي، للعمل في حقول البنّ والكاكاو. ولم يكن هؤلاء الوافدين الجدد وأطفالهم في حاجة وقتها إلى وثائق إدارية للإنتشار في مختلف قرى البلاد، ليشكّلوا بذلك الجيل الأوّل من المهاجرين غير الحاملين للجنسية الإيفوارية، غير أنّ أوضاعهم ساءت بشكل ملحوظ حين طغى عامل الدم (النسب) على عامل الأرض، وهو ما عمّق من مأساة هؤلاء إلى درجة تحوّلت معها المسألة إلى ظاهرة أثارت جدلا واسعا. ممثّل المفوضية العليا للاجئين وعديمي الجنسية في كوت ديفوار محمد توريه، قال موضّحا، في تصريح للأناضول: "انعدام الجنسية يعود أيضا إلى وجود تناقض قانوني. فخلال الفترة الفاصلة بين 1960 و1970، كان قانون الأرض هو المعتمد، بمعنى أنّ ولادة أيّ شخص في كوت ديفوار يمنحه الحقّ في نيل الجنسية. لكن، ومع تغيّر القانون، انتقلنا إلى قانون الدم القائم على أساس النسب، لتيصبح الحصول على الجنسية الإيفوارية رهين أن يكون الشخص مولودا لإيفواري". و"هكذا"، يضيف المسئول الأممي، فإنّ جميع الأطفال الذين لم يقم آباؤهم بالاجراءات اللازمة لدى إدارة الحالة المدنية قبل 1972، لم يعد لديهم الحق في الحصول على الجنسية الإيفوارية. هنري كونان بادييه، الرئيس الأسبق لكوت ديفوار، أمضى في 1995، على مرسوم جماعي يمنح الجنسية لغير حامليها شمالي البلاد، واقتصر قرى بوافلي وزينولا وغارانغو، دون أن تشمل بقية مناطق وجهات البلاد. ومن منطلق وعيها بأهمية هذا الملف، تسعى الحكومة الإيفوارية إلى إيجاد حلول تخفف من معاناة غير حاملي الجنسية في بلدها، حيث قال المسؤول عن المسائل المتعلقة بحقوق الانسان، بوزارة العدل الإيفوارية، كوري كي للأناضول: "قمنا، مؤخرا، بإطلاق حملة واسعة النطاق للتوعية، ولتسليم شهادات الميلاد إلى الأشخاص المولودين أو الذين يعيشون في كوت ديفوار، إلى جانب تنظيم جلسات استماع عامة". ووفقا له، لم يتقدّم، في أكتوبر الماضي، سوى 25 ألف شخص من غير حاملي الجنسية بملفاتهم، كما تم تنظيم دورات تدريبية بدعم من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، شملت المحافظات، من أجل إعلام أكبر عدد من الأشخاص المعنيين بهذه المسألة. المفوضية الأممية، والتي تعدّ الشريك الحصري للحكومة الإيفوارية في التصدّي لانعدام الجنسية، أطلقت حملة توعوية بهدف مزدوج، يرمي في الآن نفسه إلى مواجهة الإشكالات المتعلقة بالوصول إلى المعلومة، والتقليص أو اجتثاث مسألة انعدام الجنسية، وهو ما أكده المسؤول الأممي بالقول: "نحاول الوصول إلى السكان في المناطق الريفية في كوت ديفوار، وذلك عبر الإذاعات الريفية.. نريد أن يلمّ الجميع بموضوع انعدام الجنسية". ومن المنتظر أن تنطلق مرحلة التسجيل في يوليو المقبل، وتنتهي في فبراير/ شباط 2016. وسمتد فترة دراسة الملفات على 6 أشهر، بكلفة جملية تناهز ال 7 مليون دولار، بحسب المصدر نفسه.