فتح الكاتب الصحفي المتخصص في الشئون العربية فهمي هويدي، ملف التعذيب في مصر والذي زاد مؤخرًا بعدد من أقسام الشرطة، وقال في مقدمة سرده للأزمة وأسبابها، إنه ما عاد ممكنا السكوت على استمرار التعذيب في مصر، وما عاد مقبولاً إعفاء القيادة السياسية من المسئولية عن استمراره. واعتبر الكاتب أن تناول عدد من الصحف المصرية لجرائم التعذيب بالسجون وعلى رأسها صحف الوطن والمصري اليوم والأهرام والشروق هو مجرد مصادفة، لكنها لا تخلو من دلالة جديرة بالملاحظة والإثبات، ورغم ما يشاع في هذا الصدد من أن المعلومات التي خرجت إلى وسائل الإعلام جزء من الصراعات الحاصلة داخل أجنحة وقيادات وزارة الداخلية إلا أن ذلك لا يلغى الملاحظة الأساسية المتمثلة في اتساع نطاق الانتهاكات وشيوع التعذيب على نحو تجاوز الحدود وأصبح يفوق طاقة الاحتمال، خصوصًا حين تعددت حوادث القتل بسبب التعذيب في أماكن الاحتجاز، وهو تطور واكب انطلاق المظاهرات والتوسع في الاعتقالات وتفاقم ظاهرة الإرهاب في مصر على النحو الذي يعرفه الجميع. وأكد هويدي: أن الجديد في الأمر أن بعض الصحف القومية والخاصة المؤيدة للنظام دخلت أخيرًا على الخط، وفتحت صفحاتها لعرض المشكلة التي أصبحت رائحتها تزكم الأنوف وسيرتها على مختلف الألسنة في داخل مصر وخارجها، وبالتالي لم يعد انتقاد الانتهاكات مقصورًا على المنظمات الحقوقية ودوائر النشطاء والضحايا وحدهم، وإنما علت الأصوات في المجال العام، بحيث انكشف الغطاء عما كان محجوبًا ومسكوتًا عليه، وذلك مؤشر مهم لا ريب. وعرض هويدي في مقالة له نشرتها شبكة "CNN"، لملاحظات استوحها من دراسة عن «التعذيب في مصر» تضمنت قراءة لملفات ضحايا التعذيب، قائلًا: "من الملاحظات التي أبرزتها الدراسة أن التعذيب في السجون وأقسام الشرطة صار قاعدة وليس استثناء، وأنه لم يعد مقصورًا على النشطاء السياسيين وحدهم، لأنه تبين أن 76٪ من حالات التعذيب موضوع الدراسة كانت في اتهامات لا علاقة لها بالأوضاع السياسية، بما يعطى انطباعًا بأن التعذيب يتم بشكل روتيني ودون سبب واضح، وليس بالضرورة للحصول على اعترافات". وتابع: كما بدا أن الضرب هو الوسيلة الأكثر شيوعًا، حيث تبين أن 50٪ من الحالات التي تمت دراستها تعرضت للضرب بمختلف الوسائل، كما تبين أن المواطنين البسطاء، الأميين والحرفيين والموسميين والعاطلين عن العمل الضعفاء والمهمشون بوجه عام هم الأكثر تعرضًا للتعذيب من جانب رجال الشرطة، ونسبة هؤلاء سبعة أضعاف المهنيين وخريجي الجامعات. وأضاف الكاتب في الشئون العربية، أن ثمة ملاحظات أخرى سجلتها الدراسة منها إحجام مصر عن التوقيع على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب رغم الدعوات المتكررة التي وجهت إليها بهذا الصدد، وهى الاتفاقية التي تضع معايير عالمية للحفاظ على إنسانية وكرامة المحتجزين، وتحد من المعاملة القاسية واللا إنسانية التي يتعرضون لها، كما أنها تنص على وضع معايير ونظام عالمي لزيارات دورية من جانب الهيئات الدولية والمحلية لأماكن الاحتجاز للتثبت من الالتزام بالمعايير المقررة. وأشار إلى أنه من الملاحظات المهمة أن الدراسة أكدت على الحاجة الملحة لإعادة النظر في التشريعات التي تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وهى الدعوة التي لم تلق استجابة من السلطة طول الوقت. وعلى سبيل المثال فإن المادة 126 من قانون العقوبات تضيق من نطاق تعريف التعذيب، إذ تعتبره فقط ذلك الذي يتم بهدف الحصول على معلومات أو انتزاع اعترافات، في حين أنه بات يمارس كسلوك عادى يتم لأغراض أخرى كثيرة، فضلاً عن أنه بات مستقرًا في مصر أن التعذيب يتم للتنكيل بالمعارضين وترويعهم دون أن يكون لذلك صلة بمسألة الاعترافات. واستطرد: إننا لا نستطيع أن نفصل بين استباحة كرامات الناس وانتهاك إنسانيتهم وبين استباحة حرياتهم، ذلك أن الخلاف بينهما هو في الدرجة وليس في النوع. بمعنى أن «الاستباحة» هى القاسم المشترك بينهما، ولكن التعذيب يمارسها بحق كرامة الإنسان وبدنه، فى حين تمارسها الإجراءات والقوانين بحق حريته وأمنه الخاص. وأكد هويدي، أن التعذيب الذي يشكل أعلى مراتب استباحة المواطنين يكمل الدور الذي تؤديه القوانين المقيدة للحريات العامة، وذلك كله يعد ترجمة للسياسة الأمنية المتبعة وهى التي تعول على السلطة بأكثر مما تعول على المجتمع، وعلى الإجراءات والقوانين بأكثر مما تعول على التوافقات والحوار. وأكمل: إذا أردنا أن نكون أكثر صراحة وإنصافًا فلا مفر من الاعتراف بأن مناقشة قضية التعذيب وتجاوزات الداخلية إذا كانت جزءًا من تجليات السياسة الأمنية فهي أيضًا جزء من السياسة العامة، أعنى أنها بما تمارسه لا تفعل أكثر من أنها تنفذ السياسة العامة، لذلك فإن توجيه سهام النقد والاتهام لها دون غيرها يظلمها ويحملها بما لا تطيق، وهى التي تتحمل الكثير فى أوضاعنا الراهنة، حيث تتراجع أدوار مؤسسات عدة فى الدولة، وتطالب أجهزة الداخلية بأن تتصدى من جانبها لما ينبغى أن يقوم به غيرها، خصوصًا فى المجال السياسى. واختتم هويدي، صحيح أن الدولة لا تأمر بالتعذيب، لكن بوسعها أن توقفه بقرار سياسى، ومختلف الإجراءات والقرارات القمعية التى تتخذ والقوانين الجائرة التى صدرت ما كان لها أن ترى النور لولا أنها إذا لم تكن تعبر عن إرادة سياسية، فإنها على الأقل تستجيب للهوى السياسى، وإذا كان الخليفة عمر بن الخطاب قد ذكر أنه إذا عثرت بغلة فى بغداد فإن الله سيحاسبه عليها، فلنا أن نقول أيضًا إنه إذا عذب مواطن أو قتل ظلما فى أى سجن فإن أولى الأمر فى مصر سوف يحاسبون جميعا أمام الله عليه، وتلك شهادة حق لا خير فينا إذا لم نقلها.