هناك قصة رمزية تحكى أنه كان لأحد الملوك وزير حكيم، وكان الملك يقربه منه ويصطحبه معه في كل مكان، وكان كلما أصاب الملك ما يكدره قال له الوزير : " لعله خير" ، فيهدأ الملك. وفي إحدى المرات قطع إصبع الملك فقال الوزير : " لعله خير" ، فغضب الملك غضباً شديداً وقال ما الخير في ذلك؟! وأمر بحبس الوزير، فقال الوزير الحكيم : " لعله خير". وفي يوم خرج الملك للصيد وابتعد عن الحراس ليتعقب فريسته، فمر على قوم يعبدون صنماً، فقبضوا عليه ليقدموه قرباناً للصنم، ولكنهم تركوه بعد أن اكتشفوا أن قربانهم مقطوع الإصبع. انطلق الملك فرحاً بعد أن أنقذه الله من الذبح تحت قدم تمثال لا ينفع ولا يضر، وأول ما أمر به الحراس فور وصوله القصر أن يأتوا بوزيره من السجن، واعتذر له عما صنعه معه، وقال إنه أدرك الآن الخير في قطع إصبعه، وحمد الله تعالى على ذلك. ولكنه سأله : عندما أمرت بسجنك قلت : فما الخير في ذلك؟ ، فأجابه الوزير أنه لو لم يسجنه، لَصاحَبَه فى الصيد فكان سيقدم قرباناً بدلاً من الملك... فكان في صنع الله كل الخير. أسوق هذه القصة في ظروف عصيبة يمر بها وطننا الحبيب، حيث تحدث أمور ظاهرها مؤلمة لكنها قد تكون خيرا لمصر ومستقبل شعبها، ومن أمثلتها : انسحاب أحزاب عدة من التحالف الديمقراطي نتيجة اعتراضها على عدد الكراسي وترتيبها في القائمة رغم قيام لجنة تنسيقية نزيهة برئاسة الدكتور وحيد عبد المجيد عضو الهيئة العليا بالوفد سابقا بوضع معايير للترشيح. قيام أحزاب توصف بأنها عريقة بترشيح فلول الحزب الوطني على قوائمها مما أدى إلى اشتعال الصراع بين أعضاء هذه الأحزاب بالمحافظات وقيادتها العليا. انسحاب أحزاب من الكتلة المصرية أدى إلى تعرية الأحزاب القائمة على أساس طائفي والتي تشهد أيضا استقالات من أعضائها المؤسسين اعتراضا على ترشيحات الفلول. قيام بعض الأحزاب التي أنشئت في الأساس لتجميع الفلول وبخاصة الصف الثاني منهم في كيانات حزبية بمحاولات يائسة لعقد مؤتمرات في المحافظات لصنع جماهيرية مزيفة. وأقول : إنه إذا كان من صالح الوطن في هذه الظروف العصيب الائتلاف والتوافق بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية الوطنية بكافة أطيافها، فلعل من الخير أن تتمايز هذه الأحزاب في أول انتخابات عقب ثورة 25 يناير العظيمة حتى يتسنى للناخب المصري الذكي أن يختار بحرية تامة ممثليه الحقيقيين الذين سيعبرون بصدق عن آلامه وآماله ويقفون بجواره في أفراحه وأتراحه. وإذا أحسن الناخب اختيار ممثليه من الوطنيين المخلصين المصلحين لا الطامعين في المغانم والوجاهة، فسيتحقق الخير كل الخير للوطن وأهله على أيديهم بإذن الله تعالى. وأما إذا ما لم يتم اختيار هؤلاء المصلحين فسيكون خيرا لهم حتى لا يثقل كاهلهم بأمانة مسئولية تنوء بحملها الجبال، وليستطيعوا التفرغ لمشروعاتهم الإصلاحية وبناء المجتمع السليم.