لقد أصبحت إيران في عهد نظام ولاية الفقيه الجائر نموذجا لكل ما يتخيله وما لا يتخيله العقل البشري ' ولكن ليس نموذجا ايجابيا يقتدى به كما يروج له إعلام نظام الملالي وإنما نموذجا لكل ما هو سلبي بكل معنى الكلمة ' فلا يوجد عند هذا النظام الذي حّول إيران إلى جحيم' نموذجاً واحدا صالحا يمكن الاقتداء به على صعيد ' الحرية والمساواة والعدالة 'رغم أن هذه القيم هي مطالب أساسية ليس عند المواطن الايراني وحسب بل إنها مطالب أساسية عند جميع بني البشر ومن يطبق هذه القيم يكون نموذجا إنسانيا وإسلاميا بحق وحقيقة ولكن ما تشهده إيران في ظل نظام ولاية الفقيه الجائر يدل على أن البلاد تعيش عصر القرون الوسطى وما الاعتقالات والإعدامات وسلب الحريات الدينية والسياسية وانتهاك الكرامات التي تجري على قدم وساق' إلا نماذج صادقة تؤكد أن تخلف هذا النظام الجائر أمرا لا يقبل النقاش و إلا بماذا يفسر أعوان و أنصار نظام الولي الفقيه جلد طالبا 74 جلدة لمجرد انه ارسل إلى رئيس الجمهورية احمدي نجاد رسالة كانت علنية و لم يوجه له التحية فيها و طرح فيها حقائق دامغة تحكي سردا لمعانات الإيرانيين بمختلف قومياتهم وتبين مثالب السلطة و مفاسدها التي باتت رائحتها تزكم أنوف أقطاب النظام قبل غيرهم ؟ . إن عملية جلد طالب لمجرد توجيهه رسالة نقد لممارسات حكومة الرئيس احمدي نجاد عدها الكثيرون بأنها تعتبر درجة مخففة جدا من أساليب العقاب الذي دأب نظام الملالي معاقبة خصومه والمعترضين على سياساتها به' فقد اعتاد الإيرانيون طوال العقود الماضية مشاهدة أنواعا مختلفة و قاسية من ألوان العقاب ينفذها هذا النظام بحق معارضيه حتى أصبح جلد شخص 74جلدة يعد في منتهى الرقة والرأفة قياسا بالإعدامات الجماعية وبتر الأطراف والأحكام بالسجن طويلة الأمد . وهذا كله يجري في ظل سكوت مطبق من جانب الإعلام الايراني الرسمي والإعلام المرتزق الموالي لنظام الملالي. فالإعلام الايراني الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها باسم الدفاع عن مظلومية الصحفيين من المرتزقة المأجورين الموالين له في بعض الأقطار العربية ويطالب بما يسميها الحرية والحقوق المشروعة للصحفيون الموالون لنظام طهران ' يتناسى كليا معانات المئات من الصحفيين القابعين في السجون الإيرانية وعلى رأسهم نقيب الصحفيين السيد "ما شاء الله شمس الواعظين" الذي يعد من أنصار التيار الإصلاحي والذي لم تكتفي المحكمة بسجنه وحده وحسب بل أمرت باعتقال وحبس محاميه الدكتور " محمد سيف زاده " الذي كان يترافع عنه . لقد أصبحت إيران في ظل نظام الولي الفقيه الجائر سجنا كبير لصحفيين ومقبرة للصحافة الحرة فهناك العشرات من الصحفيين يقضون عقوبات بالسجن لمدد طويلة يضاف إليهم ستة من مشاهير صناع الأفلام السينمائية والعاملين في القطاع السينمائي ' والى جانب هؤلاء هناك عدد كبير من المحامين جرى اعتقالهم لمجرد قبولهم قضايا الدفاع عن متهمين بقضايا سياسية ومن بين أبرز هؤلاء المحامين ' نسرين ستوده و عبدالفتاح سلطاني ' اللذين اشتهرا بدفاعهم عن المتهمين بقضايا سياسية. وهذا طبعا ليس بالأمر الجديد فقد سبق لنظام الملالي إعدام العديد من الصحفيين وهو ما لم يحدث في أي بلد متحضر فالصحافة في البلدان المتقدمة تمثل ضمير الشعوب و تلعب دور المدافع عن حقوقها و تراقب أداء الحكومة و تكشف فسادها وتقدم للسلطة القضائية الأدلة والإثباتات لمعاقبة الحكوميين المفسدين ولهذا سميت الصحافة في الغرب بالسلطة الرابعة' أي أنها سلطة موازية للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ' إلا أن في إيران الجمهورية المدعية بتطبيق الشريعة الإسلامية فان الصحافة التي تكشف مفاسد السلطة يتم إيقافها والصحفيون الذين ينشرون جرائم السلطة ويكتبون عن انتهاكات حقوق الإنسان و مصادرة الحريات فأنه يجري اعتقالهم وفي أحيان كثيرة يحكم عليهم بالإعدام بتهمة الإساءة إلى سمعة النظام وتعريض الأمن القومي للخطر ' وهو ما حدث لصحفيين أكراد و بلوش وغيرهم . ومن الشواهد الأخرى الدالة على معاداة نظام الملالي للصحافة والإعلام الحر عامة ' ما كان قد أمر به المرشد الأعلى لنظام الملالي قبل أسابيع حيث طالب الصحافة بعدم الحديث عن فضائح قضايا الفساد المالي التي تم الكشف عنها مدعياً أن خوض الصحافة في مثل هذه الأمور يعرقل عمل القضاء ويشغل المسئولين عن متابعة ملف الفساد على حد زعمه . علما إن مرشد النظام الايراني "علي خامنئي "قد سبق له الوقوف بقوة ضد مشروع قرارا كان قد عرضه النواب الاصطلاحيون في البرلمان الايراني في عهد حكم الرئيس محمد خاتمي لدعم حرية الصحافة في إيران إلا أن خامنئي هدد حينها بحل البرلمان إذا جرت مناقشة المشروع وإقراره من قبل النواب الأمر الذي أدى بعدها إلى سحب المشروع وإلغاءه نهائيا. وبعد هذا قد يقول قائل ' أذا كان نظام الملالي قد تمكن أن يستمر لمدة ثلاثة عقود بسياسة الخداع التي انطلت على المغفلين وأصحاب العواطف الرقيقة ممن صدقوا شعاراته الثورية الفارغة ' ترى بماذا سوف يغطى على فضائحه التي أخذت تزيد يوم بعد يوم من عزلته الخارجية و تزيد من نقمة غضب الشارع الايراني ضده؟ باحث وكاتب من الأحواز