ان تجربة الجمهورية الإسلامية التي طبقها النظام الايراني‘ أثبتت خلال العقود الثلاثة الماضية ‘بما لا يدعو مجالا للشك ‘ انها كانت تجربة فاشلة حيث من خلال تلك التجربة تبين ان النظام الايراني كان يسعى الى إفشال أي عمل حقيقي يدعو للعمل الإسلامي‘ وقد عمل متعمدا على تشويه هذا التجربة لإلحاق الضرر بالمشروع الإسلامي في المنطقة عامة. وهذا يثبت تواطئه مع القوى المناهضة للإسلام ‘ وما يؤكد ذلك ان التاريخ الايراني منذ قيام الدولة الصفوية والى يومنا هذا كان معاديا لمشروع الإسلامي عامة . لقد سعى النظام الايراني طوال هذه الفترة على ربط أي تجربة إسلامية في المنطقة بمشروعه السياسي على أمل ان يؤدي الفشل الذي سوف يلحق بالتجربة الإيرانية ‘ الى تشويه التجربة الإسلامية عامة وبالتالي سوف يلحق الضرر المحتم ( من وجهة نظره ) بالمشروع الإسلامي في المنطقة . و هذا ما يفسر وقوف الغرب والقوى المعادية للإسلام الى جانب الخميني ودعمه على حساب القوى الإيرانية الأخرى التي كانت تعارض نظام الشاه البهلوي وكانت تملك الأرضية لبناء نظام ديمقراطي نموذجي في إيران بعد إسقاط الشاه ‘ غير ان ما حصل هو تخلي الغرب عن هذه القوى وتركيز دعمها على الخميني رغم شعاراته المعادية للغرب . ان فشل مشروع الدولة الدينية في إيران يمكن تلمسه من خلال المشاريع السياسية و الإنسانية والاقتصادية والثقافية التي رفعها نظام هذه الدولة‘ كما يمكن معرفة مدى الفشل الذي لحق بهذا النظام على الصعيد الفكري من خلال الطروحات والمشاريع الفكرية التي قدمها مفكرون إيرانيون بارزون من أمثال ‘ عبد الكريم سروش ‘ مجتهد شبستري ‘ يوسف اشكوري ‘ محسن كديور وآخرون ‘ و هؤلاء جميعهم مفكرون دينيون قدموا بحوثا عديدة شرحوا فيها فشل تجربة مشروع الدولة الدينية التي أقامها النظام الايراني والأضرار التي ألحقها هذا النظام بتجربة المشروع الإسلامي عامة . ويلخص المفكر الديني المعاصر الدكتور " مجتهد شبستري " مأزق النظام الايراني في نقطتين ‘ الأولى اعتقاد هذا النظام وجود جميع الحلول للقضايا المعاصرة ومشاكل اليومية للمجتمع ‘تكمن في تفاسير النصوص الدينية . النقطة الثانية‘ عجز النظام في تفسيره للنصوص الدينية ‘حيث وصل في هذا المجال الى طريق مسدود ‘ لذلك عجز النظام الايراني طوال ال 32 عاما الماضية من عمر ما سمي جزافا بالجمهورية الإسلامية من تقديم نموذجا واحدا يمكن الاقتداء به ‘ سواء على الصعيد الاقتصادي او الرفاه الاجتماعي والتوزيع العادل للثروة ‘ او على صعيد الشراكة السياسية وتقديم نموذجا ديمقراطيا للحكم يمكن الاقتداء به. و الأهم من ذلك فشله في وضع مشروع أخلاقي لبناء مجتمع إسلامي كما كان يزعم ‘ فالمجتمع الايراني يعاني اليوم من شدة الجرائم والمفاسد الاجتماعية التي تنخر جسمه ‘ وذلك نتيجة لفقدان الروادع الأخلاقية والقوانين القادرة على معالجة هذه الأزمة التي يعيشها المجتمع الايراني . و رغم هذا الفشل فان نظام الملالي مازال يتاجر بشعارات المعادية للغرب و( إسرائيل ) وإظهار نفسه بمظهر الداعم للمقاومة من خلال إغداق المال على بعض الجماعات التي تجيد التطبيل والتهليل لمن يدفع لها‘ أكثر من معرفتها بفنون المقاومة ‘ وذلك كله في محاولة منه للفت أنظار أبناء شعوب المنطقة والعالم الإسلامي ( الذين يعانون من الإحباط بسبب فساد حكوماتهم ‘ واليأس وفقدان الأمل في تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة وباتوا يتشبثون بأي قشة يمكن ان ترفع من معنوياتهم وتعيد لهم الأمل المفقود ) عن فشل مشروع جمهوريته الإسلامية المزعومة. و من الملاحظ ان محاولات النظام الايراني للتغطية على فشل مشروعه الإسلامي المزعوم ‘ باتت واضحة للمنظمات والجماعات الإسلامية ‘ او تلك التي كانت ترى فيه بارقة أمل في تحقيق حلم المشروع الإسلامي‘ ولهذا باتت هذه الجماعات تتطلع الى التجربة الإسلامية في تركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية بزعامة السيد رجب طيب اردوغان الذي استطاع ان يلبي الاحتياجات اليومية لمجتمعه و يجيب على اغلب الأسئلة المطروحة من قبل الشارع التركي . في المقابل فان النظام الايراني قد ركز على الترويج لثقافة ما يسمى " الذوبان في ولاية الفقيه المطلقة" وأصبحت طاعة مرشد الثورة دون نقاش هي المعيار للإسلام الحقيقي ‘ و هذه أهم انجازات الجمهورية الإسلامية . ولهذا فقد أصبح اليوم البون شاسعا بين ما يطرحه النظام الايراني من شعارات ‘ وما ترفعه الحركات الإسلامية العربية من مطالب. ان مطالب هذه الحركات ليس إقامة جمهورية إسلامية وحكومة ولاية الفقيه التي يروج لها النظام الايراني ‘ بل ان البحث عن تحقيق العدالة والحصول على حقوق المواطنة والمساواة‘ أصبح المطلب اليومي للحركات الإسلامية التي أخذت تتدفق الى الشوارع رافعة هذه المطالب ‘ تاركة شعار الذوبان في " ولاية الفقيه" تحت أقدامها . وهذا السلوك الحضاري التزمته الحركات الإسلامية في كل من تونس ومصر إبان الثورة و اظهر الفارق الكبير بين موقف هذه الحركات وسلوكها من الانتقال السلمي الذي حصل في السلطة ‘ وبين السلوك الهمجي والغوغائي الذي حصل في إيران من قبل الملالي أبان الثورة ضد الشاه . لقد كان الشاه عند تركه إيران عيّن حكومة انتقالية بزعامة المعارض السياسي الشهير " شاهبور بختيار "( قتل على يد المخابرات الإيرانية في فرنسا) للحفاظ على مقدرات البلد ومنعا لإراقة الدماء وفتح الباب لمرحة ديمقراطية ‘ غير ان الخميني وأعوانه عارضوا الأمر بشكل جنوني وأصروا على هدم البناء بكامله وحصل ما حصل من المحاكمات الثورية و الإعدامات الجماعية التي أفضت الى تكريس حكم نظام ولاية الفقيه الديكتاتورية. غير ان ما شاهدناه في تونس ومصر اظهر ان الحركة الإسلامية انضج عقلا و فكرا و منهجا من النظام الايراني ‘ وذلك عند ما وقفت هذه الحركة مع سائر قوى المعارضة و قبلت بالحكومات الانتقالية كوسيلة للحفاظ على مقدرات البلاد وتجنب إراقة الدماء و تسيير الأمور لحين قيام انتخابات حرة ونزيهة يمارس من خلالها الجميع حقه في الترشح والتصويت وفقا للقوانين المنظم لها . وهذا دليل آخر على ان الحركات الإسلامية في عالمنا العربي لم تكرر الشعارات التي كان نظام الملالي يرددها و كانت تنادي " حزب فقط حزب الله – قائد فقط روح الله ( يعني الخميني ) " . وهذا يؤكد مرة أخرى ان النظام الايراني ليس قدوة لهذه الحركات ‘ كما يزعم علي خامنئي وقادة النظام الايراني . كما ان تجربة المجتمع الايراني مع الجمهورية الإسلامية ‘ وما حصل من فجوة فكرية بين الرأي العام ونظام الملالي‘ أظهرت بوضوح تام فشل مشروع الثورة الإسلامية الإيرانية . وما يثبت ذلك أكثر ‘ان الثورات والتحولات السياسية الحاصلة في المنطقة قد أدخلت النظام الايراني في مأزق جديد جعلته عاجزا عن استيعاب أي صوت معارض له‘ و لو كان هذا الصوت من المعارضة الإسلامية الخارجة من رحم النظام نفسه ولكن بطعم معتدل و أصلاحي . وهذا ما يؤكد مرة أخرى أيضا ان مع حدوث أي ثورة جديدة في المنطقة فأنها تزيد من أزمة النظام الايراني داخليا وتكشف عن فشل مشروعه الإسلامي المزعوم الذي أعده للتصدير. صباح الموسوي كاتب وباحث من الاحواز