تشهد إيران في ظل نظام الخرافات والدجل السياسي المشوب بالاضطهاد الداخلي والتآمر الخارجي حالات وظواهر مأساوية اجتماعية وثقافية وإنسانية، سجل بعضها مستويات قياسية لا سابق لها في المنطقة، من بينها ارتفاع ظاهرة الانتحار التي أصبحت حالة يومية تزداد باضطراد. طبيعي أن ظاهرة الانتحار حالة اجتماعية قد لا تقتصر على بلد أو شعب معين؛ لكنها تختلف في الأسباب والعوامل والنسب من بلد إلى آخر، فمن أهم عوامل الانتحار؛ العوامل النفسية، الكآبة، الفشل في الحياة، فقدان الأمل وغيرها، أما العوامل الأخرى فاهمها الفراغ الاجتماعي، الإحساس بالوحدة، فقدان الهوية وقطع الصلة مع المحيط، وهذه عوامل مشتركة عند أغلب الذين يقدمون على الانتحار، وهناك أيضاً عامل مشترك آخر يجمع بين المنتحرين وهو عامل اليأس وعدم الإيمان بالله، فلو كان المنتحرون يؤمنون أن هناك إلهاً يساعد على قضاء الحاجات ويجزي الصابرين على المتاعب وأعباء الحياة، وأن الانتحار هو قتل للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، لما أقدموا على الانتحار، فهؤلاء يائسون من رحمة الله وقد قال تعالى ( وأنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون) وعليه إذا كان اليأس يعد أهم العوامل التي تقف وراء ظاهرة الانتحار في المجتمعات الغربية والتي في الغالب لا تعاني من اضطهاد سياسي أو انتهاكات حقوق الإنسان، وغالباً أيضاً لا تعاني من فقر مادي بالصورة التي عندنا، فبماذا نفسر ارتفاع نسبة حالات الانتحار في المجتمع الإيراني الذي يصفه نظام الملالي بأنه مجتمع دولة ''أم القرى'' ويمثل قاعدة جند الإمام المهدي المنتظر؟. يقول رئيس منظمة الطب الشرعي في إيران إن عدد حالات الانتحار ارتفعت إلى عشر حالات يومياً، وقد شهدت ارتفاعاً بمعدل (4,9) عما كانت عليه في السنة الماضية، وأضاف أن (952) حالة انتحار وقعت في إيران في غضون الأشهر الثلاثة الأخيرة كان من بينها 274 امرأة و678 رجلاً. وفي حوار مع وكالة ''جهان نيوز'' المقربة من السلطة قال أستاذ علم الاجتماع في جامعة طهران الدكتور أمان الله قرائي مقدم؛ إن أغلب العوامل التي ساعدت على ارتفاع ظاهرة الانتحار كانت بسبب الضغوط المعيشية، العلاقات غير الشرعية، الإدمان على المخدرات وعوامل ثقافية، بعبارة أصح غياب عامل الإيمان. فإذا قارنا ارتفاع نسبة ظاهرة الانتحار في إيران بمثيلاتها في أغلب دول العالم الثالث التي تعاني شعوبها من فقر واضطهاد وحرمان على كافة الأصعدة نجد أن ظاهرة الانتحار في هذه الدول لم تبلغ النسبة التي بلغتها إيران التي ما فتئت وهي تملأ الدنيا ضجيجاً بإسلامية نظامها. كما هو معروف أن الإسلام هو منهج تربوي قيمي، والنظام الإيراني الذي يزعم أنه يتبنى الفكر الإسلامي منذ أكثر من ثلاثة عقود قد أثبت فشله في ترسيخ القيم التربوية الإسلامية في المجتمع الإيراني، والدليل على ذلك كثرة الظواهر السلبية والمنافية، ليس للدين الإسلامي فحسب، بل المنافية لكل القيم الحضارية أيضاً، ومع ذلك كله نجد أن هذا النظام يصر عبثاً على تصدير نموذجه الفاشل إلى دول الجوار تحت اسم تصدير الثورة الإسلامية ونموذجها المتمثل بحكم ولاية الفقيه المطلقة. طبيعي أن ارتفاع ظاهرة الانتحار لا يمكن فصله عن الظواهر الاجتماعية الأخرى التي تعج بها دولة ولاية الفقيه... فإلى جانب هذه الظاهرة هناك ظاهرة ارتفاع نسبة الإدمان على المخدرات بين الجنسين وارتفاع أعداد الذين يموتون سنوياً بسبب الإدمان، وتزايد جرائم القتل المتعمد وجرائم النهب والسطو المسلح، وارتفاع نسبة حالات الطلاق وتزايد أعداد الأطفال اللقطاء، ناهيك عن حالة الفساد الإداري المستشرية في جميع مفاصل الدولة الإيرانية، وفوق هذا كله وجود حالة القمع السياسي ومصادرة الحريات العامة المصحوبة بالاعتقالات والإعدامات السرية والعلنية. قد يعتقد البعض من الموالين لنظام ولاية الفقيه أو المتأثرين بشعاراته الدعائية أن كل ما ينشر عن حقيقة الأوضاع في إيران مجرد كلام إنشائي، لكن الأرقام التي تنشرها وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أو تلك المحسوبة على نظام الملالي كفيلة بدحض أي تشكيك حول هذا الموضوع، فعلى سبيل المثال نشرت وكالة أنباء فارس، التابعة للاستخبارات الإيرانية، في شهر يونيو الماضي تصريحاً لمساعد رئيس الطب الشرعي الدكتور عبدالرزاق برزر قال فيه: إن أعداد من ماتوا بسبب المخدرات في العام الماضي بلغ ثلاثة آلاف وستمائة شخص، ونشر موقع صحيفة ''خبر أون لاين'' في أغسطس الماضي تقريراً أكد فيه وجود اثنين وثلاثين ألف طفل في إيران لا يحملون بطاقة هوية بسبب عدم التعرف على أولياء أمورهم. أما موقع وكالة أنباء ''قانون'' فقد نشر تقريراً في الشهر الماضي أعلن فيه أن سبعين شخصاً يدخلون السجن كل ساعة. هنا يقف المتتبع متسائلاً؛ ترى في ظل كل هذه الحالات والظواهر المأساوية التي يعيشها المجتمع الإيراني هل يمكن اعتبار نظام الملالي نظاماً إسلامياً يصلح ليكون نموذجاً يحكم مجتمعاتنا العربية كما يمني نفسه؟. نترك الجواب لأتباع ولاية الفقيه. ❊ كاتب وباحث من الأحواز